بعد النجاحات التي حققتها المقاومة اللبنانية في تحرير كامل أراضي لبنان تقريبا عام 2000 ومن ثم في الصمود في حرب تموز 2006 التي خطط لها أن تكون نهاية لأي سلاح أو فكر مقاوم للغطرسة الصهيونية فاذا بالمقاومين يثبتون قدرتهم على الصمود وتلقين الصديق قبل العدو درسا مفاده أن تحرير الأرض والانسان من الصهيوني مهما كان ذلك الصهيوني مدججا بالسلاح المتطور ومهما كان حجم الدعم الغربي له هو ليس حلما بعيد المنال ..
لجأ الماسون والمتصهينون في الغرب الى خلق استراتيجية الضد النوعي - اسلام ضد الاسلام - في تأجيج صراع سني شيعي ليكون التيار الأخواني و التكفيري السني( القاعدة وبناتها) في مواجهة مباشرة مع حزب الله بدلا عن الصهيوني الذي فشل برغم آالته الحربية في القضاء على بضعة مئات أو آلاف من مقاتلين ينتمون لحزب الله لا يأبهون لجبروت العدو متسلحين بعقيدة لا يمكن تجاوزها شعار أفرادها الشهادة أو النصر.. وفي نفس الوقت يتقنون استخدام السلاح و حرب العصابات وفنون القتال والحرب النفسية الى حد باتوا فيه يرعبون عدوهم حتى قبل أن يصل الى المدى المجدي لأسلحتهم
ولأن العدو ليس مستعدا لدفع ثمن الانتصار من أرواح ودماء بينما هو بات يشعر بالخطر الوجودي .. صار ملحا بالنسبة اليه تاجيج ورقة جديدة قديمة هي الورقة الطائفية والمذهبية في المنطقة العربية وهي سياسة استعمارية قديمة قائمة على مبدأ فرق تسد .. بل هي أخطر تلك السياسات الاستعمارية عبر العصور في استغلال التعصب وخاصة اللون الديني الطائفي أو المذهبي منها وللأسف يجد المستعمر دوما البذرة الخصبة والتربة الصالحة لنمو هذا الحقد الدفين بين مكونات مجتمعاتنا العربية المختلفة في الطائفة أو المذهب ليحوله الى مواجهة تريحه هو من مواجهتهم مجتمعين أو متفرقين فيتبدل للأسف مع هذا النوع من المواجهات الدامية تعريف العدو وتعريف الصديق ..
كي نعود الى الجذور سنمر سريعا على مصطلح التعصب... "التعصب ظاهرة قديمة حديثة ترتبط بها العديد من المفاهيم كالتمييز العنصري والديني والطائفي والجنسي والطبقي"، وبالعودة الى تاريخ الحروب والصراعات نجد أن كثيرا منها كان سببه هو التعصب للدين أو العرق أو اللون وما زالت هذه الظاهرة تتجدد باستمرار في عصرنا الحالي أو بالأصح تجد من يجيد استغلالها عندما يشاء لتشكل آفة تدمر الشعوب.
ومن هنا نجد ان الراصد لحمم الطائفية وهي تتبوأ رأس السنام في السياق العربي الإسلامي المعاصر، لا بد وأن يدركه الخوف، ويتملكه الفزع مما تنذر به من عقابيل ينفطر لها قلب الشجاع الأشم. إن الرائد الذي لا يكذب أهله ليجد اليوم فؤاده كفؤاد موسى، وحزنه كحزن يعقوب، وخوفه كخوف كليم الرحمن. ذلك أن الطائفية باتت اليوم تُوظف في غالبية النشاطات الإنسانية، حتى تلك التي هي بعيدة منها بعد الثرى من الثريا
اما التعصب وعلاقته بالعنف فهو موروث من قديم الازل. حيث ان العنف المرتبط بالاحداث الجارية وما يحدث اليوم هو استمرار لآلية تعودنا عليها ، ولا ياتي بجديد ويؤول تأويلات طائفية، حتى وإن كان منها بعد المشرقين. ثمة روح مذهبية بغيضة تتلبس الروح الإسلامية لتجعلها أسيرة لأحداث مضى عليها ما يزيد على ألف وأربع مئة سنة.
إن الدوافع الحيوانية التي تنطلق من العصبيات الدينية والمذهبية لا تختلف بين دين وآخر، أو بين مذهب وغيره. وما يحدث الآن من الجماعات الإرهابية، والميليشيات المتطرفة، في اشعال الفتنة بين الشيعة والسنة ، فهي لا تختلف كثيراً عما كان يجري بين الكاثوليك والبروتستانت في العصور الوسطى مثلا وليس حصرا, وتزيدها الطائفية سوءاً على سوئها إذا أضيف إليها حقيقة أن التعصب هو الأصل في تكوين الإنسان، بينما التسامح وقبول التعددية في إطارها الشامل، هو الاستثناء.
إن أحداث التاريخ، في قديمه كما في حديثه، لتنضح بما يؤكد تأصل التعصب والعنف في طبيعة الإنسان، وبأن التخفيف منه لا يكون بالمواعظ المجردة التي تقفز فوق القيم المجتمعية، بقدر ما يتطلب تفكيك بنيته الفكرية التي تمده بأسباب الاستدامة والتمدد.
إن نجاح تجربة الغرب المعاصر في بلاده لهو شاهد حي على ضرورة تفكيك البنية الفكرية للتعصب، للوصول إلى مجتمع متسامح. ذلك أنهم لم يتخلصوا من الإرث الطائفي البغيض الذي أحل بهم دار البوار وخراب الديار، إلا بعد أن سلط عليه الفلاسفة وعلماء الاجتماع والتاريخ أضواء النقد التاريخي الذي أعاد زرع مقولاته في الفضاءات والسياقات التي أنتجته استجابة لدواع سياسية واجتماعية ودينية. وهو ما يحتاجه اليوم الصراع الشيعي السني في بلادنا الأسلامية الذي لا يقل بشاعة ودموية عن الصراع بين الدول المتناحرة على المال او المقدرات من مآسي الصراع الديني او المذهبيي الذي يكون بين طائفتين تنتميان إلى دين واحد، كل منهما تدعي أنها وحدها الفرقة الناجية، وأن الأخرى قد كفرت بأنعم الله وبتعاليم القران او السنة وهي نفس الاتهامات التي يطلقها كل من الشيعة والسنة اليوم في حق بعضهم، سواء بسواء وما ربك بظلام للعبيد.