السياسة الخارجية الأمريكية الحالية صار رصيدها على وشك النفاذ، فانّ أنظمة من الأقليم دخلت أيامها المتبقية في النفاذ أيضاً، عبر مسح الجرائم التي ارتكبت من قبلهم باشعال الفوضى في المنطقة، واشعالها في أوكرانيا الآن ولاحقاً في دول أسيا الوسطى حيث تنظيم خراسان الأرهابي النسخة المشرقة من تنظيم داعش، كل ذلك بفعل أيديهم. بعض هؤلاء العرب بقتال داعش عبر مسلسل الحرب على داعش بحلقات متتالية، حيث المخرج وكاتب النص واشنطن، والمنتج الخليج، والموزّع اعلام البترو دولار وبعض البيادق المحليين والأقليميين والدوليين.
دمشق وموسكو وطهران وحزب الله وباقي المحور، يعرفون أنّ الهدف بمجمله من مسلسل الحرب على الدواعش الأمريكية هو: استنزاف بشري وعسكري كبير وتحطيم ممنهج لنسيج المجتمع السوري ولبنية الدولة التحتية، مع فرض نظام سياسي برلماني طائفي مثل لبنان والعراق وبشكل أكثر هشاشة وبعمق. دمشق تعرقل مد خط آنابيب من قطر عبر السعودية والأردن وسورية الى شاطىء المتوسط ثم الى جنوب أوروبا، وهذا المشروع يهدف الى افشال خط السيل الجنوبي الروسي للغاز، مع العمل على استنفاذ موارد روسية المادية والسياسية الضخمة عبر الأزمة الأوكرانية، وهاهي أمريكا تشن هجومها على روسيّا عبر الأتجاه الجنوبي وتحت عنوان مكافحة التطرف الأسلامي، كل ذلك لتغيير السلطة في موسكو أيضاً بأخرى موالية لها، والهيمنة على مصادر الطاقة في العالم، لذلك.
لا ثمة عناق سوري أمريكي تخشاه موسكو، أو ثمة عناق روسي أمريكي تخشاه سورية، حيث الجميع مستهدف بما فيه ايران رغم دخول الأتفاق النووي مسار التنفيذ، وحزب الله وباقي المقاومات، وحتّى دول في المنطقة مستهدفة والساحات السياسية الضعيفة والقوية على حد سواء.
فبريطانيا دورها دائماً دور الظل والظل العجوز للولايات المتحدة الأمريكية مع امكانيات تنافسها لأستعادة نفوذها الضائع في السابق، فلندن تعتبر مثلاً سقوط سورية في والعراق في يد داعش، يعني مثلاً سقوط لبنان والأردن والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزّة المحتل, وهذا يعني تغير دراماتيكي في الخارطة الأستراتيجية للمنطقة يكون للخليج ومشيخاته دور بمنأى عن التداعيات الكارثية. فهناك تحولات جيواستراتيجية وتسوناميات داعشية ارهابية في المنطقة بفعل أمريكي، من أجل تعزيز حالة التشظي التي يشهدها العراق وسورية والمنطقة، كي تمهّد لتنتج ميلاد منظمات كيانية طائفية أو اثنية وذلك لشرعنة "اسرائيل الصهيونية" في المنطقة وهذا ماتكلمت عنه سابقا ، مع ترسيمات لحدود نفوذ جديدة مع حلفاء مع فرض خرائط دم كأمر واقع، وعبر استراتيجيات التطهير العرقي والطائفي كل ذلك مع التفكيك الممنهج والتفتيت الجغرافي والتلاعب بالوحدة الوطنية، وافشال الدول الوطنية واستهدافات للجيوش الوطنية ذات العقيدة الوطنية واحلال ديمقراطيات التوماهوك وبديلها الداعشي، لتأمين مصالح الشركات الأمريكية والأوروبية النفطية في المنطقة.
واشنطن فشلت في التحكم ومراقبة أزمة المنطقة، فزّجت بورقة داعش كون أن التطورات والنتائج في محصلتها لم تصب في صالحها، بل في صالح طرف آخر هو طرف خط المقاومة في المنطقة، فتدخلت بريطانيا من جديد ووجدت فرصتها سانحة ومواتية لأستعادة بعض مناطق النفوذ فكان الأنشقاق الأولي في داعش، وسنرى استثمارتها وتوظيفاتها وتوليفاتها لداعش لاحقاً.
من له علاقات منّا بخلايا التفكير دبّابات الفكر في الداخل الأمريكي المحتقن الآن، يعرف أنّ الولاء للولايات المتحدة الأمريكية(الأمبراطورية الرومانية الجديدة عبر دولة كوردستان) معاداتها، فالعداء لها له مخاطره، والتحالف معها يقترن دائماً وأبداً بالمصائب والدمار؟ يقول كيسنجر المعروف برمز الواقعية السياسية real politic في كتابه يقول كيسنجر الذي لم ينشر بعد واشنطن الآن تناقش نفسها بنفسها حول العلاقة بين مصالحها وموقعها من نشر الديمقراطية وحقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة ويضيف: متى أصلاً كانت أمريكا تقيم وزناً للمثل والقيم الأنسانية اذا تعلق الأمر بمصالحها الحيوية؟ ويضيف أيضاً: كل مغامرة قام بها الغرب في الشرق الأوسط لعبت فيها السعودية دوراً ايجابياً تمويلاً وتغطيةً، امّا علناً أو من وراء ستار ومنذ الحرب العالمية الثانية تحالف السعودية العربية مع الغرب و "اسرائيل".