طالعتنا الصحف الغربية اليوم بخبر شديد الغرابة وان كان يعدنا بانه قد قرب وقت الخلاص وان المشكلة السورية باتت علي وشك الحل في غضون أسابيع معدودة. وبالطبع كلنا نامل وننتظر وسنظل نامل حتي يمل الأمل من صبرنا حيث ان يوماً ما ستنتهي الحرب في سوريا. ستتوقف المذابح والمجازر الذي يرتكبها الإرهابيون كل يوم
كثيرون يحاولون تصوّر المشهد. مشهد سوريا حين يعلن الموت أنه اكتفى من الأجساد الهالكة. البعض يتجه مباشرة الى إحصاء حجم الدمار، فيضع سيناريوهات إعادة الإعمار والبعض يذهب نحو البنية الاجتماعية ويحلل أحوال تفككها. ولكن، بين الدمار الذي محا المدن والقرى والأجساد، وبين مجتمع يعيش التشرد وذله، ينشأ جيل جديد من السوريين، عايش الحرب وعاشها بدلاً من طفولته، وتعلم دروس البقاء حياً بدلاً من ارتياد المدارس، واستعاض عن التفكير بمستقبله بالتفكير باللحظات التي ستلي سقوط القذيفة قرب منزله، أو عليه.
ترى، ماذا تبقى للجيل الجديد من السوريين من موارد؟ .
ماذا تبقى له من مكتسبات اقتصادية واجتماعية؟ .
ماذا تبقى لهذا الجيل من حياة؟.
لم يبق الكثير، فإن محاولة إحصاء أبرز التكاليف التي سيتحملها الجيل الجديد في سوريا تُظهر أن الجيل الجديد من السوريين سيعاني من الأمية والفقر والبطالة، لا، بل إن كل مولود سوري سيكون مديناً بقيمة عشرة الاف دولاراً علي الأقل لإعادة إعمار بلده وإطفاء الدين العام المتراكم.ما يعني أنه سيتم فرض ضرائب ورسوم كبيرة، وسيتم حصر الإنفاق الاجتماعي بسبب استخدام الأموال في إعادة الإعمار.وفي ظل عدم تخصيص الأموال في كل تجارب الحروب العربية لإعادة ترميم ما تشوه في حياة الأجيال الجديدة الناشئة، فإن مستقبل سوريا سيكون كارثة على جيلها الجدد ما لا تقم الحكومه السوريه بمحاربة الفساد و تقويه التعليم والتربية والعمل على التنمية الفكرية والبشرية المستدامة.
يبلغ عدد السوريين قبل بدء (الثورة السورية المفتعله) وقبل المجازر الجماعية المستمرة والتي يرتكبها الارهابيون بحق الشعب السوري حوالي 22.4 مليون نسمة.وتقول الأرقام ولإحصائيات ا أنه منذ انطلاقة ما يسمى زورا وبهتانا "الثورة" في مارس من العام 2011 حتى نهاية اغسطس الماضي، "وصل عدد القتلي حوالي ٣٠٦ آلاف, بينهم حوالي ٣٠ آلف امرأة و٢٥ ألف طفل". كذلك، تسببت الحرب "بوقوع حوالي ١٥٠ألف جريح، أما عدد اللاجئين خارج سوريا فوصل إلى 6 ملايين و365 ألف لاجىء وسيزيد الى نحو 11 مليون لاجئ خلال الاعوام القادمة إضافة لمن هم في مخيمات اللجوء على الحدود التركية والأردنية وعدد المهجرين داخل سوريا فقد وصل إلى 7 ملايين و220 ألف لاجىء".
هذه الأرقام ليست مجرد تعداد لبشر يعانون من أزمة إنسانية ضخمة، لا ، بل هي أرقام تشير إلى مستقبل أسود يحوم في أفق سوريا.اذا ما الحكومه السوريه عملت مع خبراء لهم خبره و ليس ذو محسوبيات إذ إن هذا يعني اقتصادياً أن الجيل الجديد من السوريين سيتكبد كلفة ارتفاع الإنفاق الاجتماعي على تأمين العلاج الجسدي والنفسي، وانخفاض حجم القوى العاملة لأن معظم المصابين والمعوقين ، وفق الإحصائيات، هم من الفئة الشابة. أما عدد اللاجئين خارج سوريا فيعني اقتصادياً ارتفاعات في مؤشرات الهجرة الدائمة، في حين أن عدد النازحين داخل الأراضي السورية يعني أن عدداً كبيراً من السوريين سيقع تحت ديون ضخمة لترميم أو إعادة بناء منازله. هذا بالإضافة إلى ضعف الإنتاج الاقتصادي نتيجة الدمار الذي لحق بعدد ضخم من المحال الصغيرة والمؤسسات الصناعية والأراضي الزراعية.ضرائب ودين عام
فوق هذه التأثيرات الكبيرة التي تضرب البنية الإنتاجية في البلاد، سيكون أمام الجيل الجديد من السوريين تحمّل الضرائب والرسوم التي سيتم فرضها لتمويل إعادة إعمار ما هدمه النظام.
إذ إن خسائر الاقتصاد السوري، وفق تقرير "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" الصادر في نهاية العام الماضي، بلغت ٢١٠ مليار دولار وفي حال تم توزيع هذه الخسائر على عموم السوريين يتبيّن أن كل سوري مهما كان عمره يجب أن يدفع ضرائب بما يوازي عشرة الاف دولاراً لتغطية كلفة تمويل الدمار.او قد يكون للحكومه السورية خططا وبرامج لهذه المشكله وهذا ما لم نلمس ملامحه الى الآن ولكن وفي حال لجوء الحكومه السوريه الجديده بعد انتهاء الحرب إلى الدول المانحة، فسيحصل على قروض طويلة الأمد، وبالتالي سيضاف فوق هذا المبلغ مبالغ إضافية، وهي الفوائد التي تحصّلها الصناديق الدولية في مقابل القروض التي تقدمها للدول.
لقد بلغ الدين العام لسوريا حتى اغسطس الماضي (وفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والأونروا والمركز السوري لبحوث السياسات) ما نسبته ٨٠ ٪ من الناتج القومي، وبالتالي وصل حجم الدين إلى حوالي ٤٣ مليار دولار، منها حوالي ٢٥ مليار دولار ديونا داخلية ونحو ١٨ مليارا دولار ديون خارجية. إذن ووفق معادلة بسيطة يتبين أن كل طفل مولود حديثاً في سوريا سيأتي إلى الحياة مديوناً بقيمة ٢٥٠٠ دولاراً وبالتالي، في حال تمت إضافة حجم الضرائب لإعادة الإعمار وكلفة سداد الدين العام، يتبين أن كل سوري سيكون مديوناً بـ عشرة الاف دولاراً مهما كان عمره.
جيل الجوع والبطالة
تقول تقديرات “لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا” (الاسكوا) إن عدد السوريين الذين تحولوا إلى ما دون خط الفقر هو ١٥ مليون مواطن، بينهم حوالي ٩ ملايين مواطن تحت خط الفقر الغذائي. ما يعني أن الجيل الجديد من السوريين سيعيش الفقر والجوع، ما سيخلق اختلالاً في الأمن الاجتماعي والغذائي وكذلك، قدّر تقرير الإسكوا في نهاية العام الماضي، أن معدلات البطالة ووفقاً للأرقام الرسمية السورية (غير الدقيقة كونها تخفض من النسب الإحصائية)، ستسجل في حال انتهى الصراع في هذا العام 2015 نسبة ٦٨ ٪ أي أن الجيل الجديد سيعيش في كنف عائلات خارج سوق العمل، ما سيدفع الكثير من الأطفال والشباب إلى العمل بدلاً من الدخول إلى المدارس.
الأميّة ستكون غالبة
تقول الإسكوا أيضاً في ندوة نظمتها نهاية العام ٢٠١٤ أن "سوريا خسرت ٤٥ عاماً من التنمية بسبب الحرب الدائرة فيها، ومع كل سنة تستمر فيها الأزمة تتراجع سوريا ٩ سنوات إلى الخلف في المؤشرات الاقتصادية والتنموية وخسارة بمئات ملايين الدولارات من الناتج المحلي السوري"
هذه المؤشرات تعني إن الجيل الجديد من السوريين سيصبح في عمر الـ ٤٠ عاماً ليعود ويعيش في ظل نسب التنمية السيئة والمهينة كما وصل التسرب المدرسي إلى نسبة ٧٨ في المئة في نهاية العام ٢٠١٤، وفق تقارير الإسكوا. إلا أن هذا الرقم مرشح للمزيد من الارتفاع في ظل استمرار الدمار والقصف والموت. وهذه النسبة لا تعني سوى أن الجيل الجديد من السوريين سيكون غير متعلم وغير قادر على تحقيق نهضة اقتصادية أو اجتماعية تتحقق عادة بعد الحروب.
من جهة أخرى، تشير دراسة أعدها الباحثون في الاقتصاد العقاري إلى إن مليونين وخمسمائة وحدة سكنية أصبحت في عداد المساكن المدمرة كلياً أو جزئياً، في حين قدرت إدارة معلومات الطاقة الاميركية، في تقريرها الصادر عن سوريا، خسائر قطاع الطاقة السوري بنحو 12 مليار دولار.وتضررت شبكات المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى تضرر المرافق الصحية والاستشفائية.
الجيل الجديد في سوريا سيضيع وسط الدمار، لن يمتلك القدرة على إعادة بناء ما يدمره الإرهابيون والفاسدون يومياً، سيكون اقتصاده رهينة مؤسسات التمويل الدولية، ستتكالب الدول الكبرى مؤسساته ونفطه ومقدرات أرضه. وكلما طال أمد المعركة، كلما تضاءل الأمل.
فهل ستنجح الحكومة السورية المقبلة في حل هذه المعضلة والانفلات من شبح ديون الصناديق الدولية؟؟؟؟