لقد اختارت روسيا أن تكون أكثر صراحة من أي وقت مضى. ، وقد خفف الرئيس فلاديمير بوتين من الكثير من الإعتبارات التي كانت تجعله يضرب حيناً على الحافر، إختار أن يوجه ضرباته مباشرة إلى المسمار ليثبت خطوطاً حمراء وأسقفاً تعني إستراتيجية موسكو تجاه دمشق والمنطقة بشكل عام. لكن بوتين لم يقف عند ذلك فقط، قطع الميل الإضافي لدعوة المجتمع الدولي للحذو حذوه، وإعتبار الحكومة السورية الحالية رأس الحربة في الحرب على الإرهاب والتنظيمات الارهابية وفي مقدمتها "داعش" بشكل خاص والإرهاب بشكل عام. هو بذلك لا يحدد خيارات بلاده النهائية في الوقوف إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد فحسب، إنما يحسم أن الحل الوحيد في هذه الحرب وضع الخلافات حول مستقبل سوريا جانباً، والإلتفات إلى مستقبل الإقليم والعالم في مواجهة التهديد الوجودي ، ومن جهة اخرى فان النظره المستقبلية من روسيا تعتبر رفضا لمبدأ للدخول بتغيير الانظمة حيث توكد أن الشعب السوري وحده من يقرر مصير بلاده.
وقد توافدات انباء عن مفاوضات سرية بين روسيا والغرب حول شروط تغيير “النظام” في سورية والتي اصفها الرئيس بوتين بأنها “اختلاقات مزعومة وقد موسكو اكدت مرارا على مستوى رئيس الدولة ووزير الخارجية أنها لا تعمل على تغيير الأنظمة” ويعد “هذا افضل جواب على مثل هذه المزاعم”.
في غضون ذلك، تواصل موسكو التأكيد بأنه لا غنى عن الأسد في محاربة التنظيمات الارهابية وعلى راسها «الدولة الإسلامية الارهابي»، على الرغم من التقارير الأخيرة التي أشارت إلى أنّ الكرملين يبدي مزيداً من المرونة بشأن هذه النقطة. وقد اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطة لتشكيل “جبهة لمحاربة الإرهاب” تكون متّحدة ضدّ تنظيم «داعش» وغيرها من التنظيمات الارهابية وتنطوي على التعاون مع الأسد. وعندما شنّت القوات الأمريكية غارات جوية انفرادية في سوريا من قاعدة جوية تركية دون الحصول على إذن من دمشق، انتقد لافروف الخطوة واصفاً إياها بـ “تدخل أجنبي” ينبغي وضع حدّ له.
لقد بات واضحا ان واشنطن غير راغبة في الانخراط بشكلٍ أكبر في دعم الكفاح ضدّ نظام الأسد، بحيث يستمرّ الكرملين بالدفع بجدول أعمال يخدم مصالحه الخاصة، أي تصوير موسكو بمظهر الوسيط البنّاء الذي يتّمتع بمصداقية وشريكاً دولياً، وتحويل الانتباه عن حرب روسيا ضدّ أوكرانيا، والسماح لبوتين بتجنب عملية جنيف والحفاظ على الأسد في السلطة.
وبالمثل، تهدف دعوة بوتين إلى قيام تحالف دولي ضدّ الارهاب وتنظيم «الدولة الإسلامية»، على الأقل جزئياً، إلى تعزيز حرب روسيا نفسها ضدّ المسلّحين في شمال القوقاز، الذين انضمّ بعضهم إلى تنظيم «داعش» في سوريا والعراق. وبإمكان مثل هذا الجهد أن يُضفي الشرعية أيضاً على سياسات موسكو المعروفة للجميع في تلك المنطقة.
وبناءً على ذلك، يفإن الولايات المتحدة تؤكد لروسيا بأنها لا يمكن أن تكون شريكاً دولياً بنّاءً بإخلاص إلّا إذا نظرت أبعد من مصالحها وتمسّكت بروح “بيان جنيف”، الذي اعتبر الأسد جزءاً من المشكلة في سوريا، وليس جزءاً من الحل. لذا ينبغي على واشنطن لا ترغب بالسماح لموسكو بإعادة توجيه الحديث بعيداً عن هذا الهدف.
وفي الوقت نفسه، فأن وجهة النظر الروسية تميل الي انه يجب على واشنطن أن تعترف بأنّ الجهود الدبلوماسية المشتركة مع روسيا لها حدودها عندما يتعلّق الأمر بسوريا. حيث من غير المرجح أن تعكس موسكو موقفها من الأسد. إنّ الاكتفاء بجمع الأطراف إلى طاولة الحوار لا يشكّل بديلاً عن التقدّم الحقيقي، وهناك فرصة ضئيلة بأن يحقّق مؤتمر سلام واسع آخر انفراجة في سوريا. وبدلاً من ذلك، تكشف عوامل أخرى آمالاً أكبر في التأثير على سياسة موسكو، فالاقتصاد الروسي على سبيل المثال يستمر في الانخفاض، وهو الأمر بالنسبة إلى قدرة الكرملين على مساعدة الأسد. وفي هذا السياق، ينبغي ألّا تمنح الولايات المتحدة بوتين بطاقة دخول مجانية إلى أوكرانيا مقابل تعاونه في الملف السوري.