تمهيد........ في المقال التالي يقدم الكاتب الاعلامي عمار عوض رؤيته حول تسمية الاشياء والمهن وسمياتها في عالم الصحافة والاعلام, فيعرض الفارق بين الاعلامي والصحفي..... تابعونا
عندما إندلعت أحداث ما يسمى الربيع العربي عام 2011 و حتى هذه الساعة, لاحَ لكل سامِعٍ و ناظِرٍ ولكل ذي بصيرة مفاهيم و مصطلحات طَفَت على السطح لم يكن لأحدٍ أن يسمع بها أو أن يتداولها لأنها كانت حِكراً على مؤسسات تشغيل و توظيف أصحاب هذه المسميات......
فعلى سبيل المثال هناك مصطلحات تخص عالم الإرهاب/ الوالي _ أمير الجماعة - الحاكم بأمر الله - أمير المؤمنين -ولي الأمر - سمو الأمير - السلطان الأعظم _ المَلِك.إلخ.
طبعاً هذه المسميات كانَ لها ما لها في عالم العدل و المساواة و الرخاء أيام إنتشار الدين الإسلامي في أسقاع الأرض.أما الآن فلمجرد أن يتم ذكر مسمى واحد منها فلا يسع المرئ إلا أن بتخيل القتل والتدمير والدماء..والسبب في ذلك هو إستخدام و توظيف الوقع الزماني و المكاني لهذه المصطلحات والسيطرة على العقل الباطن للمتلقي في هذا الزمن عن طريق العصف الفكري الميتافيزيقي الذي يوظف الحالة الإمبيريقية (المصطنعة), والتي تسكن في تفاصيلها الشياطين.
إلى زمن غير بعيد حافظت بعض المسميات على حضورها وحتى الوقت الراهن مثل / البيك - الباشا - الشَيخ..../ مع طقوس تقبيل الأيادي و التمسح بالثياب, بغية التقرب ونول بعض الفُتاتِ والرضا مما قد يجود به صاحب اللقب ¡¡¡¡¡
الفضل في إسقاط أوراق التوت عن هذه المصطلحات و المفاهيم الخبيثة كان لعالم الصحافة الذي واكب مسيرتها و ظروف تطورها و إستخدامها و هو الذي تخصص في تصحيح المسار التاريخي لبوصلة تسمية الأمور بمسمياتها .
وفي خِضَم الحديث عن المصطلحات و توظيفها لِحَقٍ يُرادُ بِهِ باطل نجد أنه يتم إقصاء و حرمان الكثيرين ممن أخذوا على عاتقهم إعلاء شأن الإنسانية من صفاتهم و ألقابهم التي تعبوا و نالوا الشهادات العليا من أجلها في تَحَدٍ سافِرٍ و تجاوز أو تلاعب على القانون من قِبَل أصحاب الشأن و المسؤولين و المناصب المؤقتة, .و أغلب الظن أن حالة النقصان وعُقدَةُ الأنا الفرويدية هي المرض السائد لدى هؤلاء المتحكمين هذه الأيام.......فهم الذين إحتكروا لأنفسهم أحقية منح الصفات و الألقاب لغير مستحقيها بالإضافة إلى منحهم وظائف لا تمت بِصِلَة لما يحملونه من شهاداتٍ علمية ، هذا إذا كانوا يحملون شهادات بالأساس.
كل ذلك كان مقدمة لحديثي عن عالم الصحافة و مايعاني منه أغلب من يعملون في رِحابِه, لا شك أن الجميع يعلم أهمية الصحافة أو الإعلام ناهيك عن الفترات الزمنية التي واكبت تقدم و تطور الصحافة بكل أنواعها التحريرية و المسموعة و المرئية و صولاً إلى ظهور مصطلح الإعلام و الصحافة الإلكترونية.
في عالم الصحافة الحالي فرضت بعض المسميات نفسها على أرض الواقع بسبب طبيعة التخصص و التحصيل العلمي الذي يخضع له من إمتهن الصحافة و بسبب البقعة الجغرافية التي يتم نقل الحدث منها وصولاً إلى المؤسسة القائمة على تلقي هذا الحدث و تجهيزه ثم إيصاله للمتلقي النهائي و هو المجتمع بكل شرائحه. فعلى أرض الحدث نجد المراسل و المصور و الصحفي التفاعلي ( الاجتماعي ) و الصحفي الإستقصائي ( المحقق في كل المجالات ) و الصحفي الميداني ( الحربي ), و في المؤسسة الصحفية نجد المذيع و المعد و المحرر و رئيس التحرير بالإضافة إلى باقي فريق العمل المساعد .
المشكلة التي يتمحور حولها موضوع النقاش هي :_
عدم الإعتراف بتخصص الصحفي بموجب الفرز الآنف الذكر ، و الإكتفاء بكلمة مراسل ، علماً أنه قد يكون المراسل صحفي و لكن ليس كل صحفي مراسل بالضرورة....وبالتالي وضع الإختصاص إلى جانب مصطلح صحفي هو أمر واقع لا يستطيع أحد أن يلغيه مهما علا أو دنا شأنه مادام القانون يكفل ذلك .
ومن جانب آخر فإن تطور هذا الخلاف في الرأي كاد أن يُفسد وُدَ القضية حول الفرق بين الصحفي و الإعلامي و هو ما يقتضي التوضيح أدناه :_
من الطبيعي أن الكلمة قد تكون مفتاح السعادة أو التعاسة....السلم أو الحرب ، فالفرق شاسع بين الموت و الحياة ...بين الحب و الكراهية ....
وعلى ذلك قام فن الصحافة و الإعلام ليفصل بين الخير و الشر و ينصف الحق بكشف مظلومية المظلوم من الظالم ...
المفكر الإسلامي الكبير مالك بن نبي 1905 _ 1973 قال ذات يوم { إن الكلمة لمن روح القدس ، إنها تساهم إلى حَدٍ بعيد في خلق الظاهرة الإجتماعية ، فهي ذات وقع شديد في ضمير الفرد ، إذ تدخل إلى سويداء قلبه ، فتستقر معانيها فيه ،لِتُحَوِلَهُ إلى إنسان ذي مبدأ و رسالة ....فالكلمة يطلقها إنسان ، تستطيع أن تكون عاملاً من العوامل الإجتماعية حين تثير عواصف في النفوس تغير الأوضاع العالمية } .
من أجل ذلك قال نابليون بونابرت { أخشى ثلاث جرائد أكثر من خشيتي لمائة ألف حَربَة .....إن الصحافة هي حصن الأمة و مرصادها ، فإذا دُمِرَ ولو جانب من الحصن أمست الأمة في خطر ، و إذا عُطِلَ المرصاد غَدَت الأمة في ظلماتٍ هي الخطر الأكبر} .
من هو الصحفي.........؟
هو كل من يمتهن العمل الصحفي و يسهم في إعداد مكونات العملية الإعلامية و يمتلك مواصفات تشترطها وظيفته الصحفية المهنية وهي :_
1_ القدرة على إستشعار الوقائع و الأحداث قبل وقوعها عبر مسار تسلسل الوقائع زمنياً و ميدانياً و الإحساس بها و تهيئة المادة الصحفية المناسبة للتعبير عن تلك الوقائع و الأحداث عملياً بالكلمة أو الصوت أو الصورة .
2_ الكفائة الغنية و المهنية و التحليلية و الإستنتاجية بالإضافة إلى التفاعل مع الأحداث و الإستجابة للضرورات المهنية الأخلاقية و الموضوعية .
3_ الخبرة المهنية في إعداد المادة الصحفية لغةً و أسلوباً و تعبيراً إلى جانب إستخدام النوع الصحفي المناسب في تقديم الحدث أو الواقعة....أي الخبرة التي تؤهله لمراعات الشروط الأخلاقية للمهنة الصحفية في إختيار الموضوعات و صياغتها في إطار نظرية الأنواع الصحفية .
من هو الإعلامي........؟
هو كل من يستطيع رصد الظاهرة الإعلامية....يحللها و يفسرها و يستنبط النتائج التي تخدم العملية الإعلامية و تطورها ، و يهيئ فرص معالجة الإشكاليات الإتصالية التي تعزز الظاهرة الإعلامية المعنية .
ويشترط في الإعلامي أن يتمتع بالكفاءة العلمية و الأكاديمية ضمن تخصصه في مجال الإعلام و إطلاعه على الأطروحات العلمية لعلم الإتصال الجماهيري و تمكنه من معرفة أسسه و قواعده و المنهجية التي يعمل وفقها بحثاً و تحليلاً و تطبيقاً ، فضلاً عن إمتلاكه الشروط التي تؤهله للمشاركة في أية عملية إعلامية صحفية و إدارتها.
فالإعلامي لم يعد مجرد ذلك المخبر الصحفي ، المراسل الذي يتولى رصد الأحداث و الوقائع ، أو المُحرر المعني بإعادة صياغة المادة الصحفية أو مُقدم البرامج و المقابلات, إنما الإعلامي هو كل هؤلاء بالإضافة إلى إمتلاكه قدرة رصد الإشكاليات الإتصالية و خاصة تلك التي تتعلق بالبناء النظري لعلم الإتصال الجماهيري.
في نهاية هذا الحديث الذي تطرقت من خلاله لحالة فرز المصطلحات و التسميات العلمية و المهنيية ووجوب تفعيلها أرى أن أذكر بعض الذين حادوا عن الطريق السليم في حرفية المهنة سواءً بطرق مقصودة لتحقيق غاية في أنفسهم او بسبب الخطأ الغير مقصود......
يقول أمين الريحاني { ليست قوة الصحفي في توجيه الأسئلة، بل في المطالبة بالأجوبة } .
و يقول توماس جيفرسون { السياسي يحب الصحفي المؤيد و لكنه يزدريه....و يكره الصحفي المعارض و لكنه يحترمه }....
هناك فرق كبير بين الباطل و معارضته و بين الحق و تأييده وهذا لا يتم إلا عند ......تسمية الأمور بمسمياتها .
Ammar Awad