أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب،خلال كلمة ألقاها في مدينة ريتشفيلد بولاية أوهايو قبل أيام / الخميس 29 آذار : أن قواته ستخرج قريبا جداً من الأراضي السورية، لتترك الساحة لآخرين يهتمون بالأمر. وأشار ترامب إلى أن القوات الأمريكية تواجدت في سوريا بهدف التخلص من تنظيم "داعش" الإرهابي، وهو ما تحقق بحسب ما قاله ترامب، منوها أنه تمت هزيمة "داعش" في كل من سوريا والعراق، مؤكدا أن بلاده بحاجة للدفاع عن حدودها وإعادة بناء البنية التحتية "المتهالكة".
في حينه ، ومن جانبها، نفت وزارة الخارجية الأمريكية أن تكون لديها أية معلومات بشأن خطط لسحب القوات الأمريكية من سوريا. وأكدت المتحدثة باسم الخارجية، هيذر نويرت، عدم وجود معلومات لديها بتصريحات ترامب رافضة التعليق عليها. لتصدر من البيت الأبيض في اليوم التالي أوامر إلى الخارجية الأمريكية حسب "وول ستريت جورنال، نقلا عن مسؤولين أمريكيين" أن البيت الأبيض أمر وزارة الخارجية بتجميد النفقات في سورية وتقليصها بشدة ، جاء ذلك في سياق التنويه أن إدارة ترامب هي بصدد إعادة تقييم دورها في الصراع هناك ، وهذا ما يتماشى مع تصريحاته في اليوم السابق حول انسحاب القوات من سورية .. فما الذي يحدث؟؟؟؟
نذكر هنا بخلاف الرئيس مع وزير خارجيته تيلرسون والتي انتهت باقالة الأخير وتعيين رئيس وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو مكانه علماً أن تيلرسون كان تعهد بدفع مبلغ (200 مليون دولار) في مؤتمر بالكويت للتحالف الغربي ضد داعش /أي بالأصح مؤتمر غربي خليجي ضد سورية / في شباط الماضي، تمت إقالة تيلرسون حتى قبيل عودته الى بلاده من جولة أفريقية بينما كان يكيل الاتهامات جزافا لروسيا في كل مكان يزوره هناك.. يأتي كل ذلك في وقت متأزم جدا بين الغرب وموسكو .. الظاهر هو قضية سكريبال وفي العمق هي الغوطة الشرقية .. هناك حل اللغز!!!
كانت الخطة البريطانية التي أحبطها السوريون والروس تقتضي - وبالتزامن مع تسميم سكريبال وابنته ( عميل الاستخبارات الروسي المزدوج السابق المقيم في بريطانيا ) لاتهام بوتين - الايعاز لعملاء بريطانيا في سورية باستعمال الكيماوي من قبل الإرهابيين ضد المدنيين في الغوطة وادلب ودرعا ، وجعل من ذلك ذريعة للهجوم على بوتين وطرد روسيا من مجلس الأمن إضافة لإيجاد الذريعة المقنعة للأمريكي لتنفيذ تهديده بضرب دمشق في مخطط استخباراتي بريطاني كبير كان مرسوماً لدمشق ولسورية ولروسيا معاً ، تكشف هذا المخطط أكثر عبر وثائق مهمة وقعت في يد السوريين والروس في الغوطة الشرقية هي قيد المراجعة حاليا حسب القادة العسكريين الروس ، إضافة لأسر ضباط استخبارات بريطانيين وأجانب آخرين في الغوطة ، بما يشكل فضيحة لبريطانيا وفرنسا خاصة ، مما صعّد أكثر من جنون البريطانيين والفرنسيين ضد روسيا ، لم يكتف الروس باحباط المخطط الكيميائي البريطاني في سورية الذي كان هو مجرد الحلقة الأولى من المخطط القذر (لو لم يتم إحباطه) بل تم إيصال الحقائق بالتفاصيل الكاملة للرئيس ترامب عبر أقنية موثوقة ، وليتحقق ترامب بنفسه من ذلك من خلال رئيس استخباراته بومبيو ، فيقيل تيلرسون ويعين بومبيو مكانه في الخارجية ، حتى دون انتظار عودة الأخير من جولته الأفريقية ..
علينا ألا ننظر إلى خطة ترامب بالانسحاب من سورية على أنها مجرد فقاعة .. بل هي حقيقية وواقعية لأسباب كثيرة :
أولاً – معظم المحللين الاستراتيجيين ، بمن فيهم الأمريكيون ومنهم مسؤولون عسكريون وسياسيون سابقون تولوا مناصب رفيعة في الولايات المتحدة ، وقبل قرار ترامب المفاجئ ، أجمعوا أنّه لا مفرّ من الانسحاب الأمريكي العسكري من سورية لأنّ الروس وحلفاءهم انتصروا في سورية وبقاء القوات الأمريكية هناك تشكل عبئاً على واشنطن دون أمل يذكر باستعادة زمام المبادرة العسكريّة في سورية وأنّ انسحاباً بقرار أمريكي هو حفظ لماء الوجه في ظلّ هزيمة محققة تنتظرهم على الطريقة الفييتنامية لو لم يسارعوا بالانسحاب من تلقاء أنفسهم .
ثانياً – التهديد الروسي بضرب القواعد العسكرية الأمريكية التي ينطلق منها أي عدوان باتجاه دمشق وسوريا كان تهديداً جدياً في وقت فيه أذهل بوتين الغرب، قبيل الانتخابات الرئاسية في بلاده ، عندما عرض على الشاشات قدرات بلاده العسكرية المتطورة وخاصة الصاروخية منها ، فتسمروا على الشاشات مذهولين يراقبون العرض ، بينما شاهدوا بأم أعينهم تحليق طائرتي الشبح سو 57 فوق سماء سورية والتي نعنبر جوهرة التكنولوجيا الحديثة، التي لم يكن يتصور البنتاغون قدرة روسيا على وضعها في الخدمة قبل عام 2025.
ثالثاً- التهديد الروسي بحظر طيران قوات التحالف (الأطلسي) فوق سماء سورية ، وقد نوقش هذا الأمر بالفعل في البرلمان الروسي مباشرة بعد تهديدات مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هايلي بأن ّ الولايات المتحدة ستوجه الضربات نحو دمشق دون العودة إلى مجلس الأمن منددة بالاعاقة الروسية لاتخاذ قرار حاسم ضد سورية يخول الغرب خوض الحرب ضد دمشق بقرار من مجلس الأمن ، وهو ما اصطدم بفيتو روسي صيني أثار غضبها ، ثم بتصريحات نارية من لافروف ومن القادة العسكريين الروس.
رابعاً- الرغبة الأمريكية باستعادة التركي الذي ينسحب تدريجيا من خطه الغربي الأمريكي مقترباً من موسكو مع خطوات متصاعدة من التنسيق الاقتصادي والعسكري والسياسي مع موسكو ، توجد نقطتا خلاف بين تركية والغرب : قربتا بين موسكو وطهران من جهة وبين أنقرة من جهة أخرى :
الأولى قضية تدبير الغرب للانقلاب الفاشل على أردوغان وهي نقطة خلافية عميقة ، خاصة وأن كل من موسكو وطهران ساعدتا أردوغان في كشف المخطط الغربي للإطاحة به أما الثانية فقد زاد هذه النقطة الخلافية عمقاً الموقف الأمريكي الداعم لقوات قسد والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني وهو منظمة إرهابية حسب أنقرة وألد أعداء تركيا.
الجدير بالملاحظة أن يتم إطلاق تصريحات ترامب بينما يتحضر بوتين لزيارة تركية ، مما يوحي أن توقيت تصريحات ترامب مدروس، ويخدم الغرض في تفكيك عرى التوافق الروسي التركي أو منع المزيد منه - خلال تلك الزيارة على الأقل . في ميزان القوى الاستراتيجي لن يكون ذلك مجرّد فقاعة وقتية فالأمريكي يدرك أن حجم تركيا وثقلها الاستراتيجي في الناتو وموقعها على حدود روسيا وإيران أهم من دويلة هشة للأكراد لن ينجحوا بإقامتها أصلاً لأنها ستكون في وسط عدائي من كل من السكان المحليين العرب السوريين أصحاب الأرض ومن الدولة السورية صاحبة الحق بالدفاع عن وحدتها ، إضافة الى العراق وتركيا وإيران ، وتجربة استعادة الدولة العراقية لكركوك من الكرد وإفشال المخطط الغربي الصهيوني لانفصال كردستان العراق ما تزال ماثلة في الأذهان.
خامساً – المخطط الغربي في سورية فشل فشلا ذريعا وترامب يتجه نحو التصعيد مع ايران مع قرب إلغائه للاتفاق النووي الذي يمكن أن يحدث من جانب الولايات المتحدة وحدها على الأقل وما ينتج عنه من تصعيد يمكن أن يصل إلى مواجهة عسكرية تشارك فيها دول الخليج والكيان الصهيوني ، وطبعا الأمريكي يحتاج تركيا حيادية على الأقل في صراعه المقبل القريب مع ايران.
سادساً – تصريحات بن سلمان بالأمس ومن قلب الولايات المتحدة بأنّ الأسد باق ، لقد أدرك بن سلمان حقيقة يعرفها أبناء سورية وجيشها الباسل أن الأسد باق باق باق ، لقد أدرك بن سلمان متأخرا أنّ سورية انتصرت وأنّ عهد المؤامرات الأمريكية على سورية فشلت ، وستنسحب مهزومة ، ولو كان لديه معطيات مختلفة عن تلك الحقائق المرة بالنسبة له و لأزلامه من جيش الإجرام الذين هم في وضع حرج الآن ، لنطق بها في سياق رفع المعنويات على الأقل ..!!
سابعاً - يضاف إلى ذلك رغبة عدة دول عربية على رأسها مصر بإعادة تفعيل مقعد الدولة السورية في الجامعة العربية ومعروف أن مصر هي الثقل الأهم في الجامعة العربية منذ تأسيسها
كل تلك المؤشرات هي حقيقية وتسير باتجاه واحد:. لقد انتصر الأسد وهزم الأمريكي في سورية ....إنّه يستعدّ فعلا للانسحاب .. وليس أمامه خيار !!
فلمن من الأطراف سيترك الأمريكي الساحة في سورية ؟؟
القوى الفاعلة في سورية هي:
- إضافة الى الجيش السوري الذي أثبت تماسكه وكذلك الدولة السورية التي صمدت للسنة الثامنة على التوالي في ظل حرب كونية استهدفتها وتحقق برغم شراسة الحرب الانتصارات المتتالية على كل الجبهات هناك الروسي وهو القوة الضاربة الرئيسية في سورية ولا يقتصر وجوده على السلاح الجوي وهناك الايراني وحزب الله وتواجدهما قوي ومهم وكل هؤلاء هم حلفاء مع دمشق ..
بقي إذاً التركي ، مما يعني أننا سنشهد انسحاب أمريكي لصالح التركي ، والهدف الأمل بإعادة أردوغان إلى الحظيرة الأمريكية التي خرج منها صوب موسكو ، لنؤكد مرة أخرى جدية الانسحاب الأمريكي لهذه الغاية والتي تعني إطلاق يد التركي في مناطق الأكراد ، ومن هنا نوجه رسالتنا إلى أخوتنا الكرد لنذكرهم بما قلناه دائما ، عودوا إلى التاريخ وتذكروا كيف يعدكم الغرب بدولة (معاهدة سيفر 1920 )ويورطكم بحروب طاحنة تدفعون ثمنها من دماء أبنائكم ليعود فيتآمر عليكم في أقرب فرصة (معاهدة لوزان 1923 مع الدولة التركية الحديثة لتتبخر الوعود البريطانية ومعاهدة سيفر باشاء دولة كردية)
- فماذا عن الحلول الفرنسي والبريطاني بدل الأمريكي في مناطق الكرد علما أنهم متواجدون هناك أصلاً ؟
لقد تم مؤخراً تسريب القوات الفرنسية الخاصة التي كانت متواجدة في الغوطة الشرقية (ضباط مخابرات خارجية فرنسية) ، بأمر من جيفري فيلتمان، الرجل الثاني في الأمم المتحدة في سيارات دبلوماسية تابعة للأمم المتحدة، إلى لبنان، بالتزامن مع تسريب ضباط المخابرات البريطانية (إم.آي 6) وكلهم تحت غطاء منظمة أطباء بلا حدود ومنظمات انسانية وسوف يعود هؤلاء بأعداد أكبر إلى شمال سوريا. وإذا اعتبرنا أن تواجدهم كان سريا في ضواحي دمشق، فقد غدا وصولهم إلى منبج شبه رسمي( منذ الإعلان عن ذلك من قبل PYD) ، رغم عدم تأكيد الاليزيه.. وأما عن الدعم السياسي والإعلامي الفرنسي فقد نشر تيري ميسان في موقعه فولتير مؤخراً إن مكاتب دويلة "كردستان سوريا" في باريس مُعارة من قبل برينو لودو، وهو مالك ثري لوسائل الإعلام ( صحيفة ليبراسيون، مجلة ليكسبرس ، i24news ... ) ومرتبط بـ "إسرائيل" وقد أكد الرئيس التركي أردوغان في 30 آذار مارس أي منذ يومين ، أن فرنسا استضافت مكاتب حزب العمال الكردستاني PKK، وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD في باريس، معتبراً أنها منظمات إرهابية أودت بحياة 40 ألفا من المواطنين الأتراك. رافضاً الوساطة الفرنسية مع الكرد التي عرضتها باريس على أنقرة.. ثم أردف رجب طيب أردوغان مهددا أنه إذا لم تتراجع فرنسا عن موقفها، فلن تنجو من تحمل تبعات سياستها فوق أراضيها. تهديد يذكرنا بما قاله قبل وقوع الهجمات في باريس، وبروكسل.ثم اتصل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو هاتفيا بنظيره الفرنسي جان إيف لودريان للإعراب عن دهشته. فيما أكد الاليزيه إنه على عكس تصريحات "سفير" "كردستان سورية" في باريس، فإن فرنسا لاتعتزم القيام بعمليات في سورية خارج الائتلاف الدولي، لكن يبقى السؤال الذي على الإليزيه أن يجيب عليه أليس هو نفسه الائتلاف الدولي هو الذي أوجد الغطاء لـ "قسد" لمواصلة استخدام مرتزقة حزبي PKK-PYD ضد دمشق؟ فكيف سيصدقونكم الأتراك؟؟؟
نخلص إلى القول أنّ ما عجز عنه الأمريكي لن يقدر عليه أذنابه ( الفرنسي والبريطاني) صحيح أننا نجد الآن بوضوح الانضواء الفرنسي - وفق سياسة ماكرون - تحت المظلة البريطانية هذه المرة بدل المظلة الأمريكية أو الأوروبية (التي يفترض أن قلبها هو باريس وبرلين والتي قوض فكرتها - خشية فرنسية تعززها بريطانيا - من ألمانيا نازية جديدة تبتلع فرنسا وكل أوروبا)، كما أننا نشهد نزعة بريطانية واضحة وحديثة لاستعادة السيطرة على ما فقدته من مستعمرات ونفوذ في العالم بدلا عن الأمريكي ، ولكنّ كل هذا لن يفيدهما في سورية وللتاريخ نذكر انّه في عام 2013 عجز كل من الفرنسي والبريطاني عن تنفيذ خطة للهجوم بشكل منفصل على دمشق في الـ 2013 بغارات فرنسية وفق الخطة الأولى وبمرتزقة تقودها بريطانيا وفق الخطة الثانية ، ولم تكن الأجواء السورية محمية كما هي الآن ، لجأت فرنسا حينها إلى الولايات المتحدة طالبة تحييد الدفاعات الجوية السورية ومتكفلة بقصف دمشق واغتيال الرئيس الاسد.. وعجزت دوائر التآمر في ذلك الحين ، عن التنفيذ ، في وقت لم تكن فيه دفاعاتنا الجوية والتواجد العسكرية الروسي وتواجد الأصدقاء على الأرض كما هو الآن ..
ختاماً نقول صار من المستحيل اعتبارا من الآن فصاعدا على أي جهة كانت مهاجمة دمشق، أو محاولة الإطاحة بالجمهورية العربية السورية دون رد عسكري مباشر من القوات الروسية إضافة للقوات السورية والقوات الصديقة ، وأي تدخل عسكري لصالح قوات سورية الديمقراطية من قبل الفرنسي والبريطاني محكوم بالفشل قبل أن يبدأ ، أسوة بعجز كل من السعودية، وفرنسا، والأردن، إضافة إلى بريطانيا، الذين شكلوا سرا في كانون الثاني من العام الحالي "مجموعة صغيرة" ، لنسف مخرجات مؤتمر السلام في سوتشي، عبر القيام بفعل حاسم ضد سورية، ونلاحظ أن اجتماعاتهم منذ ذلك التاريخ وحتى الآن لم تسفر عن شيء سوى المسرحيات الهزلية التي عجزوا حتى عن إخراجها .. ولذلك لم تسفر عن شيء سوى الخيبة ولن تسفر!!