قبل تاريخ نشر هذه الحلقة بأسابيع فقط كان هناك شيء من التوازن الأمريكي بين تيارين الأول يقوده ترامب والخلص في إدارته (ذلك التيار المعادي للمنظمات الجهادية وللعداء مع الروس ) أما الثاني فهو تيار النخب الحاكمة هناك الذي – بخصوص بلاد الرافدين والشام - يقف وراء مجموعة شركات خاصة متعددة الجنسيات، تضم وسائل الإعلام العالمية، إضافة إلى قوى دول متوسطة تعطي أوامرها لدول صغيرة منوط بها تنفيذ المهام القذرة.. في تمويل الإرهابيين الاسلاميين ليقوموا بمهام تخدم مصالح شبكة موازية يتداخل فيها مصالح القطاع العام مع الخاص في نظام اقتصادي وعسكري عالمي ملغوم .. تمكن ترامب حينها بصعوبة من فرض إرادته على وكالة الاستخبارات ووزارة الدفاع ، ساعد ذلك في تمكن القوات العراقية والسورية من إعادة فتح طريق الحرير، لم تلق مقاومة من القوات الأمريكية المتواجدة هناك ، على الرغم من بعض الحوادث التي وقعت. كما حصدنا نتائجه في عدم عرقلة الهجوم الذي أطلقه الجيش العربي السوري ، مع قوات حزب الله بالتنسيق مع الجيش اللبناني في جرود عرسال، ليكون باكورة ثمار السياسة الجديدة لترامب ، التي لن تجد بعد اليوم طريقها الى النور ، فبينما كنا نقوم بإعداد الحلقة الثالثة هذه متفائلين بحذر كانت النخب الحاكمة في البيت الأبيض تتحالف و تتخذ قانونا تحدّ فيه من صلاحيات الرئيس ليصبح الرئيس ترامب تحت وصاية الكونغرس مكبل اليدين والقدمين وبذلك تعود النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة (التي تعتبرنفسها مهددة في مصالحها بسبب المتغيرات الدولية التي قادها ترامب) بإعادة النظر في كل الإجراءات التي اتخذها دونالد ترامب خلال الأشهر الستة الماضية ( بما في ذلك مكافحة جماعة الإخوان المسلمين والغاء كافة البرامج السرية لدعم منظماتهم الجهادية، والتحضير لاستقلال دونباس المؤيدة لروسيا، وإعادة بناء طريق الحرير.. وغيرها من الخطوات التي كان ترامب فيها جادا بتحقيق التعاون والتنمية ) ، إقصاء الرئيس بشكل مفاجيء، دفعه للدخول في صراع مفتوح مع مؤسسة الحزب الجمهوري التي يفترض بها أن تدعم الرئيس ، وكذلك مع رجال البيت الأبيض فلم يتورّع ترامب عن وصف البيت الأبيض بمكبّ نفايات في اشارة منه غير مسبوقة من رئيس أمريكي ضد البيت الأبيض منذ عهد جورج واشنطن ، وربما يقصد الرئيس في ذلك بالدرجة الأولى الأمين العام للبيت الأبيض، راينس برييبوس( وهو رئيس سابق لمؤسسة الحزب الجمهوري وقف بشدة ضد ترامب واتهمه بالعمالة لبوتين )، مما يعني خسارة ترامب في الصدام المفتوح بعد اتفاق قادة كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري على التصدي للسياسة الخارجية للرئيس ترامب، والحفاظ على امتيازاتهم الإمبراطورية. مما لاشك فيه أن الدعم البريطاني والإسرائيلي لهم كان بمنتهى الوضوح فكانت العقوبات غير المسبوقة على روسيا وايران وكورويا الشمالية ، علما أن نص قانون العقوبات الذي أجبر الرئيس على تمريره ، هو مفروض أيضا من جانب واحد على جميع الدول الأخرى في العالم، التي عليها احترام هذا الحظر التجاري. مما يعني ، أن هذه العقوبات تُطبق على الاتحاد الأوروبي والصين مثلما تُطبق على الدول المستهدفة رسميا، كما تحظر أحكام هذا القانون على الجهاز التنفيذي، تخفيف هذه العقوبات بأي شكل من الأشكال. الأمر الذي يجعل دونالد ترامب نظريا فاقدا لسلطاته .. وليفقد قدرته على تنفيذ نطريته في ضرورة أن تكون الولايات المتحدة هي الأسرع في التطور لتحافظ على مكانتها الأولى في العالم ليثبت لنا مرة أخرى أنّ القرار في الولايات المتحدة هو بيد مراكز النفوذ والنخب الحاكمة ، تديره وتوجهه مراكز أبحاث موجهة تتحكم بها تلك النخب سلفا .. تلك النخب التي تسير على مبدأ " نظرية وولفويتز" لعام 1992 القائلة بأنه ينبغي على واشنطن أن تحافظ على أسبقيتها على بقية دول العالم، عبر إبطاء تطور أي منافس محتمل لها.. وهنا يكون الهدف هو الاتحاد الأوروبي والصين وليس روسيا وكوريا الشمالية وايران فقط في قانون واحد ظاهره هو تلك الدول الثلاث فقط !!
تم تخصيص الحلقتين السابقتين من هذه السلسلة (للتعريف من خلال الأولى بمركز الأمن الأمريكي الجديد CNAS وأهميته و بالمؤلفين المشاركين في هذه الدراسة الأمريكية الحديثة التي تخص الاستراتيجية الأمريكية في سورية لإنهاء الصراع فيها وكذلك للتعريف ببرنامج الأمن في الشرق الأوسط الذي يضعه ويشرف عليه CNAS ) بينما ( ألقينا الضوء في الحلقة الثانية على ظروف نشأة هذه المؤسسة البحثية CNAS وتاريخها الأسود والقذر، لننتقل مباشرة لسرد الخلاصة التنفيذية لهذا الكراس الحديث الصادر عن تلك المؤسسة بعنوان الاستراتيجية الأمريكية لانهاء الصراع في سورية..
أمّا حلقتنا الثالثة هذه فنسرد فيها بحرفية النص عن توزع مناطق السيطرة والنفوذ في سورية ..
مع التنويه برفضنا في موقع آرام بريس للمصطلحات المستعملة من تلك المؤسسة الاستعمارية فالحرب السورية كمثال تعبيرها الأصح هو الحرب على سورية وتعبير (دولة الأسد أو النظام) ، المعارضة المناهضة للأسد : مصطلحهما الصحيح هو الدولة السورية، والمعارضة العميلة المرتبطة بالخارج المناهضة للدولة السورية بالترتيب .. كما أن المصطلح الصحيح لما يسمونه " اسرائيل" هو الكيان المصطنع ، أما عن اتهام الطيران السوري انطلاقا من مطار الشعيرات بقصف خان سيخون بالكيميائي في 4 أبريل انما يثبت بالدليل القاطع عدم موضوعية هذه المؤسسة البحثية واعتمادها البروباغاندا السخخيفة والتضليل ببساطة لأن طفلا في علم السياسة يدرك تماما استحالة أن يقوم الجيش السوري بحماقة من هذا النوع تكون ذريعة لتدخل خارجي معادي في وقت فيه تميل الكفة عسكريا لصالح هذا الجيش وحلفائه على مختلف الجبهات وبالتالي هو ليس في وضع اليائس ليقدم على قرار هو أشبه بمن يطلق الرصاص على نفسه والانتحار ، من جهة أخرى لا يخفى على أحد دعم دول محور المقاومة وتشكيلاتها الشعبية المقاتلة للدولة السورية وجيشها الباسل التي تحاول هذه المؤسسة البحثية ذكرها بصيغة طائفية ( شيعيّة ) هو أمر مرفوض تماما ومناقض للحقيقة .. وكل هذا لن يؤتي ثماره ببساطة لأنّ تشكيلات الجيش السوري المقاتلة والقوات السورية الرديفة هي ليست من لون واحد ولا تتبع طائفة معينة بل هي تمثل كل مكونات الشعب السوري.. التحموا جميعا جسدا واحدا في دفاعهم المقدّس والشرعي عن كامل التراب السوري ضدّ أعتى وأخبث هجمة صهيونية استعمارية رجعية أخوانية يتعرّض لها القطر .. لغايات باتت لا تخفى على أحد .. فالصمود الأسطوري على مدى السنوات السبع كان كفيلا بتعرية كل البروباغاندات الاستعمارية الصهيونية الأخوانية .. وها هم حماة الديار والقوات الرديفة على اختلاف انتماءاتها ومشاربها يدحرون الإرهابيين ومشغليهم ويسقطون المؤامرة وسط دهشة العالم ..
والآن الى النص الحرفي .. من الاستراتيجية الأمريكية لانهاء الحرب في سورية وفق المصالح الأمريكية - الحلقة الثالثة -
" توزّع مناطق السّيطرة والنفوذ في سورية:
إنّ أيّة محاولة لتخفيض التصعيد في الحرب السورية والتوصّل إلى تسوية سياسيّة يجب أن تبدأ بالاعتراف بتغير الديناميكا على أرض الواقع. إن التطورات في ساحات المعارك المتداخلة ضد داعش والحملات "المناهضة للأسد" في سورية أدت وبشكل فعال إلى تفتيت سورية إلى ست مناطق متمايزة : الدولة السورية برئاسة الاسد, المنطقة الشمالية الغربية ملجأ للقاعدة ؛ شمال سوريا مقسمة بين تركيا والأكراد ؛ داعش شرق سوريا ؛ ومعسكر "معتدل للمعارضة" يدعمه الأردن و"إسرائيل" في الجنوب الغربيّ.
الدولة السورية برئاسة الاسد
يحكم بشار الأسد على دولة متعدّدة الفصائل متمركزة في المنطقة الساحليّة والغربيّة الوسطى من البلاد التي تضمّ دمشق وحلب واللاذقية وحمص وحماة . وتتأثّر هذه المنطقة بشكل كبير من قبل كل من :
روسيا التي تدعم الرئيس الأسد عبر قواتها الجوفضائية وإيران الموجودة على الأرض من خلال الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، والميليشيات الشيعيّة الأخرى من العراق وباكستان وأفغانستان التي "استوردت" إلى البلاد .
في المستقبل المنظور، روسيا وإيران عملتا بعمق على استمرار بقاء الأسد قائدا لسورية، وقد قام كل من البلدين بالتنسيق الوثيق ضد تصريحات إدارة ترامب الأخيرة بشأن مستقبله ، وتعدّ الدولة السورية التي يرأسها الاسد "قاعدة" لكل من روسيا والحرس الثوري الإيراني لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية في بلاد الشام، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستتباين الأهداف الروسية والإيرانية في سوريا مع مرور الوقت.
ملجأ القاعدة في الشمال الغربي:
يعتبر الشمال الغربيّ هو الجزء الأكثر تعقيدا من البلاد. تتجه مناطق شمال وغرب حلب نحو كارثة إنسانية أخرى بسبب الضغط العسكري من قبل الدولة السورية وحلفائها، والتي تستهدف أساساً معقل "المعارضة" في محافظة إدلب. ومن الجدير بالذكر أنّه المكان الذي وقع فيه الهجوم الكيميائي في 4 أبريل / نيسان والذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 80 مدنيا، ودفع إدارة ترامب بعد يومين إلى ضرب المطار "الذي منه انطلق الهجوم ".
وفي الوقت نفسه، فإن إدلب هي عرضة لخطر أن تصبح ملجأ للقاعدة . في إدلب، حركة "المعارضة المسلحة المعتدلة" هي مجزأة ، بينما تتشكل "الحركة الثورية" من قبل كتلتين رئيسيتين:
-هيئة تحرير الشام، التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة السوري التي تعرف رسميّاً باسم جبهة النصرة، لكنها أعادت تسمية نفسها بجبهة فتح الشام ،
- وأحرار الشام، وهي منظمة سلفيّة مقاتلة. أحرار الشام، التي أعلنت عنها إدارة المقاطعة مؤخرا "مدافعا مخلصا عن الثورة السوريّة"، هي جهة ذات إشكاليّة كبيرة لأنها رعاتها هم ناشطون جهاديّون عالميّون مقرّبون من تنظيم القاعدة، وغالبا ما تقارن مع طالبان.
وبسبب علاقاتها الوثيقة مع تركيا، ستظلّ أحرار الشام صانع قرار رئيسي وطويل الأجل في شمال غرب سورية. وفي الوقت نفسه، وابتداء من العام الأخير من إدارة أوباما واستمراراً بإدارة ترامب، شنّت الولايات المتحدة عددا متزايدا من الضربات الجوية ضد القاعدة أو شركائها المقرّبين في شمال غرب سوريا، مما يدل على قلق المسؤولين الأمريكيين المتزايد من أن المنطقة يمكن أن تصبح في نهاية المطاف منصّة انطلاق لهجمات القاعدة ضد المصالح الأمريكيّة. وأفيد أن بعض هذه الضربات الأمريكيّة في إدلب أدت إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين بسبب دمج مقاتلي القاعدة في هيئة تحرير الشام والمجتمعات المحليّة السورية التي تسيطر عليها أو تؤثر عليها الأخيرة.
إن التداخل بين إجراءات الدولة السورية والتي تعارضها واشنطن وبين وجود الجماعات المعادية للمصالح الأمريكيّة هناك يخلق تعقيدات كبيرة لسياسة الولايات المتّحدة في شمال غرب سورية، وخاصة محافظة إدلب. وفي أي وضع نهائي ، فإنه سيتعيّن إعادة استرداد هذه المنطقة ؛ فإنه لا يمكن أن تبقى إلى الأبد تحت سيطرة تنظيم القاعدة أو الجماعات التي تتماشى بشكل وثيق مع تنظيم القاعدة. "
الى هنا .. نهاية هذه الحلقة
تابعونا في الحلقة الرابعة - أصدقائي ونتحدث فيها عن منطقة شمال سورية مقسمة بين تركيا والأكراد ومنطقة شرق سورية الواقعة تحت سيطرة داعش وفق الرؤية الأمريكية لإنهاء الحرب حسب مركز الأمن الأمريكي الجديد
مع تحياتي الإعلامية د. ماغي صعب