ترامب سيدا للبيت الأبيض – فماذا عن الشرق الأوسط في عهد ترامب؟؟
يجدر بنا ملاحظة مجموعة النقاط التالية والتي ترقى الى مستوى الحقائق والبديهيات:
• برغم اختلاف طروحات ترامب –حسب برنامجه الانتخابي ثم حسب ما صرح به بعد فوزه بالانتخابات - من رغبته بوقف دعم ما يسمى معارضة مسلحة في سورية متهما الادارة الأمريكية الحالية بخلق داعش ودعم الارهاب منذ عهد كلينتون في الخارجية وما قبل ذلك فان هذا الرجل هو في النهاية مرشح للحزب الجمهوري وبالتالي لا يمكن الوثوق بطروحات غايتها انتخابية في التركيز على أخطاء الآخرين والظهور بمظهر المعارض لنتائجها السلبية أخلاقيا في محاولة لكسب التأييد في سياق الحملة الانتخابية
• وبما أن الجمهوري يسيطر على الأغلبية في الكونغرس فان الطرح بمقاضاة السعودية واتهامها بدعم القاعدة والتسبب في ضحايا أحداث ايلول (خلافا لرغبة أوباما الذي حاول استعمال صلاحيات الرئيس باشهار الفيتو لتعطيل مشروع ذلك القرار( هو اثبات آخر أن ما يفعله ترامب هو ليس طفرة من بنات أفكاره انما هي سياسة تستغل لصالحها الطريق المسدود الذي وصلت اليه الادارات الأمريكية المتعاقبة فلا هي حققت أهدافها في الهيمنة والسيطرة ولا هي حققت الرخاء الموعود لشعبها بينما انتشر الارهاب الذي صنعته تلك الادارات ليضرب أوروبا ويهدد الولايات المتحدة .. بينما الهدف الحقيقي في ما وراء الكواليس هو حشر نظام حكم أل سعود في الزاوية واشعاره بأن مصيره وبقاءه متوقف على المزيد من الركوع والارتماء تحت أرجل السيد الأمريكي
• لقد كان لصمود سورية وحلفائها الدور الأكبر في اسقاط مخطط الفوضى الخلاقة الذي تجسد فيما بعد بما يسمى الربيع العربي الذي استعملت فيه القاعدة بنسختها المعدلة ( الجيلين الثاني والثالث) فكانت النتيجة عكس ما خطط الأمريكيون فلا سورية سقطت ولا محور المقاومة تفكك بل انضمت روسيا ومن ورائها الصين وبريكس بقوة وفعالية باتجاه الفعل العسكري والسياسي المؤثر فمنح نقاطا جديدة لروسيا وحلفائها على الساحة الاقليمية والدولية على حساب التراجع الأمريكي في المنطقة لصالح روسيا التي حصدت النتائج فرأيناها عادت بقوة واقتدار الى مسرح العمليات في الشرق الأوسط ، وبالتالي يمكن فهم طروحات ترامب التي يجب أن نعتبرها اذاً طروحات الجمهوريين انما هي خروج من مأزق ومن فشل ذريع..ومن هنا لا بد من أن يتنازل الأمريكي عن غروره وأن يحاور خصمه اللدود القوي ( موسكو بوتين) هذا الخصم الذي أثبت اقتداره على المسرح الدولي والاقليمي كقوة عظمى لا يمكن تجاهلها أو تهميشها بل لا بد من الحوار معها
• لم يكن فوز ترامب مفاجئا بقدر ما كان الاعلام الغربي واستطلاعات الرأي قبل الانتخابات وأثناءها مضللة... تهاجم ترامب بشراسة وتقزم حجم مؤيديه وكان هذا بيد مستخدمه سلاحا ذا حدين فصارت القصة كمن كذب كذبة ثم صدقها
• لا ينتمي ترامب - على حد المعلومات المنشورة حى الآن- الى اية منظمة سرية على نقيض كلينتون وأوباما وفريقهما وكذلك بوش الابن وفريقه وكذلك بوش الأب وفريقه ومن هنا يمكن تفسير الماكينة الاعلامية الضخمة التي واكبت نشاط كل هؤلاء بمن فيهم كلينتون في محاولتها الفاشلة للوصول للبيت الأبيض
معروف عن ترامب معارضته لسياسة أوباما وكلينتون في استخدام التكفيريين ودعمهم وفي استخدام الاسلام السياسي لتحقيق مصالح الولايات المتحدة عبرهم، ومن هنا لا نستغرب اختياره لمايكل فلاين مستشارا للأمن القومي الجنرال فلاين، (كاتوليكي من أصول إيرلندية) ينتمي الى الحزب الديمقراطي وكان المستشار الرئيسي للسياسة الخارجية والدفاع خلال الحملة الانتخابية لترامب ، يعتبر فلاين واحدا من أبرز ضباط الاستخبارات من أبناء جيله. قاد وكالة الاستخبارات العسكرية، من تموز 2012 إلى آب 2014، أي الفترة الممتدة من مؤتمر جنيف 1 وحتى غزو داعش للعراق ، في أقل من شهر على تعيينه اصطدم بهيلاري كلينتون، وبالرئيس أوباما بسبب نشره مذكرة سرية حول الجهاديين في بلاد الشام. في هذا الجزء من الوثيقة - التي تم رفع السرية عنها، منذ عام ونيف فقط - لاحظ فلاين أن الجهاديين في 2012 كانوا يحاربون الجمهورية العربية السورية، وأنهم كانوا يتلقون الدعم من أبناء العشائر الذين يعيشون بين سورية والعراق. محذرا من نيتهم خلق إمارة مستقلة في شمال شرق سورية تتبع القاعدة ، وهو مايتوافق تماما مع المصالح الإستراتيجية لداعميهم في السعودية، وقطر، وتركيا. وأوضح أنه كتب هذه الوثيقة بعد مؤتمر جنيف1، في محاولة يائسة لمعارضة دعم إدارة أوباما، إنشاء داعش ،أقاله أوباما من منصبه لاختلاف الآراء في آب 2014 ، تشوه كلينتون صورته دائما وتتهمه بالعداء للاسلام وبالرغبة في تعذيب المعتقلين (الاسلاميين) كجزء من حملتها الانتخابية ضد ترامب
في المقابل معروف عن ترامب معاداته للاتفاق النووي مع ايران وكراهيته للجمهورية الاسلامية وصرح علنا في حملته الانتخابية أنه سيلغي الاتفاق النووي مع ايران فور تسلمه السلطة - ويلتقي في ذلك مع العدو الصهيوني الذي تربطه بترامب علاقة وثيقة ذلك العدو الذي سعى لافشال الاتفاق النووي مع ايران بشتى السبل – لا نستغرب اذاً اختيار ترامب للجنرال المتقاعد جيمس ماتيس "الكلب المسعور" وزيرا للدفاع في إدارته المقبلة وهو معروف بمواقفه الصريحة الناقدة بشدة لسياسة إدارة الرئيس أوباما الحالية تجاه الشرق الأوسط ، وخاصة إيران، التي زعم من قبل انها "أكبر تهديد محدق بالاستقرار والسلام في الشرق الأوسط " شارك ماتيس في القتال في افغانستان وفي غزو العراق 2003، وتقاعد عام 2013 بعد أن ترك منصبه قائدا للقيادة المركزية الأميركية.
كمحاولة لتوريط الرئيس المنتخب واحراجه منذ اللحظات الأولى لدخوله البيت الأبيض يمكن تفسير اقرار مجلس النواب في الولايات المتحدة وتحت تكتم شديد منطقة حظر للطيران في سوريا في جلسة عقدت في 15 تشرين الثاني 2016 "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" -قانون حماية المدنيين قيصر سوريا عام 2016- يأخذ النص تسميته من الاسم الحركي للشخص الذي عرف عن نفسه بأنه "مصور في الجيش العربي السوري" الذي التقط صورا لآلاف المواطنين الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب النص، الذي تم عرضه بطريقة حزبية مزدوجة من قبل نحو عشرة من البرلمانيين الجمهوريين والديمقراطيين، هو في الواقع مبادرة من إليوت إنجل، لسان حال الكيان الصهيوني التقليدي لكن مبادرته هذه المرة مستوحاة من البيت الأبيض ، تم إرسال النص إلى مجلس الشيوخ ، وهو يخطط لإقامة منطقة حظر جوي في سوريا لحماية الأماكن التي يسيطر عليها التكفيريون.
• مهما يكون ترامب صادقا في تنفيذ ما وعد وفي اصلاح ما خرب البيت الأبيض في عهد أوباما (بسبب سياسات نفذتها ادارته الحمقاء التي نشطت الارهاب بهدف قلب الأنظمة) فان الحاكم الحقيقي في البيت الأبيض هو المجمع العسكري الصناعي الأمريكي وكل سياسات واشنطن ثابتة في كل الأوقات غايتها التسويق للحروب باسم نشر الديمقراطية تارة أو باسم مكافحة الارهاب أو باسم عدم المساس بالأمن القومي الأمريكي هو تضليل للرأي العام المحلي داخل الولايات والغربي عموما والدولي والغاية الحقيقية هي السيطرة على العالم بالقوة وافتعال الحروب وبيع السلاح على حساب دافع الضرائب الأمريكي الذي لن يجني شيئا من الحروب أو من ثراء تلك الشركات العابرة للحدود، ولن تكف هذه الاحتكارات واللوبيات عن جشعها وعن الدفع باتجاه الحروب (مع تغيير في الوجهة فان كانت الحرب لمحاصرة روسيا وصلت الى طريق مسدود فصارت الولايات المتحدة كمن ينطح رأسه بالجدار فان بدائل ووجهات أخرى تبقى مفتوحة ويسيل لها لعاب تلك التروتستات والكارتلات سواء باتجاه ايران أو باتجاه كوريا والصين ، ويمكن هنا توظيف علاقة ترامب الجيدة بالروس في محاولة لتحييدهم في مقابل الاغراء بتجاوز العقوبات المفروضة على موسكو بسبب القرم وليس مستبعدا التنازل في أوكرانيا لصالح الروس مقابل الصمت الروسي (عن ضرب الجمهورية الاسلامية أو حصارها من قبل الأمريكي في الأعوام القريبة التالية ) أو حتى في جعل الروسي يقف محايدا عندما يتطور النزاع في بحر الصين الجنوبي بين الأمريكي والصيني الى مواجهة عسكرية مباشرة في القادم غير البعيد من الأعوام
• الطبقة الوسطى الأمريكية وغالبية الشعب الأمريكي وقفوا وراء ترامب ولا يمكن تفسير فوزه على كلينتون بالضربة القاضية برغم الماكينة الاعلامية الضخمة التي سخرت لصالح الأخيرة ومعها التضليل الاعلامي حيث في الاعلام المضلل كل شيء مباح... هذا الوقوف سببه أن المواطن الأمريكي ضاق ذرعا بالانفاق العسكري الكبير الأمريكي وبسباق التسلح وبرفع الموازنة العسكرية للبلاد الذي لا طائل من ورائه ولم ينجح في محاصرة روسيا أو اسقاطها أو تفكيكها ولم يستطع اختراق الصين ، لقد كانت العقدة الكبرى هي دمشق ولو كانت سقطت دمشق لكان تغير وجه التاريخ ولكان الكاوبوي الأمريكي اجتاح العالم ، وهذا ما لم يحدث بل كان صمودها ومعها دعم الأصدقاء سببا في خلق توازن دولي جديد ينهي الى الأبد سياسة القطب الواحد التي تجلت منذ انهيار المنظومة الشيوعية في التسعينيات من القرن الماضي.
• لن يرضى اللوبي الصناعي الأمريكي بالسياسات الجديدة لترامب - ان كان الأخير جادا في تنفيذها ؟؟ فماذا في وسعه ذلك اللوبي أن يفعل؟؟
1 - محاولة طبخ الرئيس واقناعه واقناع ادارته بأن هناك ملفات لا يعرفها وبمجرد تم اطلاعه عليها سيغير جزئيا على الأقل من نهجه
2 - الضغط على الرئيس بمجموعات ضغط تعرقل تقدمه في تحقيق سياساته بحيث يرضخ أو يظهر بمظهر العاجز ويفشل
3 - التهديد بفضيحة أو بالاغتيال ان بقي الرئيس مصرا على المضي قدما في سياساته وبدا قويا متماسكا ,, فان الانتقال للتنفيذ سيكون الخطوة الاجبارية والأخيرة..
4 - تعيش الولايات المتحدة مرحلة وتحديات هي الأصعب في تاريخها الحديث في ظل النزعات الانفصالية لدى الجمهوريات الأغنى في الولايات المتحدة وفي ظل الانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي بين بيض وملونين مع التمييز العنصري الجلي والواضح للعيان وفي ظل التمييز بين أصليين ومهاجرين وفي ظل انتشار البطالة والركود الاقتصادي الذي قادت اليه سياسات واشنطن الرعناء في العالم على مر العقود الماضية.. فهل هي بداية أفول النجم الأمريكي والانكفاء نحو الداخل أم ستنجح سياسات واشنطن في تجاوز الأزمات عن طريق اشعال الحروب وتأجيج الصراعات بين الشعوب .. يتساءل مراقبون
ملاحظة - تثبت الوقائع مؤخرا أن البندين الأول والثاني قد تم استعمالهما منذ اللحظات الأولى لدخول ترامب البيت الأبيض فبدلا من التركيز على التنسيق مع الحكومة السورية الشرعية وجيشها الذي يشكل القوة البرية الفعالة الحقيقية على الأرض التي تحارب الارهاب – في سياق سعيه (أي ترامب) لتنفيذ وعده بمحاربة التكفيريين – نجد أن التصريحات الأمريكية تذهب باتجاه آخر أي السعي نحو انشاء مناطق ( آمنة ) في سورية بغطاء اقتصادي خليجي
وبينما تعتمد عربة ترامب الرئاسية على جوادين عسكريين مخضرمين هما الجنرالان فلاين وماتيز :
الأول ( فلاين ) صادق في معاداته للمنظمات الارهابية والتكفيرية المنبثقة عن القاعدة بأجيالها ومسمياتها المختلفة كما شرحنا ويثيت ذلك مواقفه الفاضحة لكل من كلينتون عندما كانت في الخارجية ولسياسة أوباما الداعمة للرهاب في سورية وقد كلفته تلك المواقف منصبه في الأمن كرئيس للاستخبارات العسكرية في عهد أوباما فأقيل،
والثاني (ماتيز) المشهور باسم الكلب المسعور المعروف بمعاداته للجمهورية الاسلامية وبمناهضته للاتفاق النووي معها ورغبته في التصعيد واتخاذ التهديد بالعقوبات والحصار والحل العسكري سبيلا لحل مسألة النووي الايراني
نجد أن الضغوط تتركز على الأول ( فلاين) تمهيدا لتجميده وربما اقالته وهذا ما حدث مؤخرا فقد تمت اقالة فلاين بحجج واهية الأمر الذي يتثبت التورط الاستخباري في معاداة خط ترامب في مكافحة الارهاب بينما يبقى في الساحة ماتيز المتشدد ضد ايران والراغب في التصعيد معها فهل ستصل الأمور الى دفع آل سعود باتجاه افتعال حرب مجنونة ضد الجمهورية الاسلامية بحماقة سبقهم اليها صدام حسين ؟؟!!