بدأت الحكاية في سوريا منذ ما قبل الحرب بكثير لكن تحول الفساد إلى مؤسسة متكاملة العناصر لها حجمها الغير مسبوق، بدء في بداية الحرب على سوريا حتى بلغ مؤشر الفساد لدينا يصل إلى المرتبة ما قبل الأخيرة لا يسبقنا في الترتيب إلا الصومال بعد ثماني سنوات من الحرب.
مما لا شك فيه أن للفساد أنواع:
أولها وأخطرها، هو فساد الامتناع عن القيام بما هو مطلوب القيام به من أعمال لتسيير أمور الدولة، وذلك نتيجة الخوف من القيام بما هو لازم، أو عدم شمولية نظرة الموظف المسؤول عن الإجراء واعتباره أن الإجراء أو التصرف غير ضروري الأمر الذي يضر بسير العمل أبلغ الضرر.
النوع الثاني: هو النوع المرتبط بمنفعة مالية تقدم للموظف ليقوم بعمله مخالفاً للقانون.
النوع الثالث: الفساد الناجم عن الجهل من قبل الموظف بما يجب أن يقوم به، وهذا النوع تعتبر الحكومة هي المسؤولة عنه لأنه تم وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، فيقوم بالتصرف الخاطئ الذي يضر الدولة هذا عن الأنواع.
أما أهم أسباب الفساد في الوقت الحالي:
الحاجة المادية غير المسبوقة للموظف السوري والذي أصبح راتبه مهما ارتفع يعادل 100 دولار كحد أقصى في الوقت يحتاج فيه إلى 800 دولار، لتأمين مستوى لائق من الحياة و400 دولار للوصول إلى حد الكفاف ويمكن للموظف في بعض الحالات قبول الإكراميات باعتبارها ضرورية لاستمرار الحياة بالنسبة له.
رغبة بعض الموظفين الذين قد تكفيهم رواتبهم للحصول على ثروات كبيرة ليقوموا بإدخارها أو صرفها.
فساد بعض الموظفين التابعين لبعض مراكز القوى والذين يوضعون ويعينون في مناصبهم لتنفيذ ما يطلب منه فيتلقى الرشاوي والمنافع وفي الوقت نفسه يقوم بتنفيذ أوامر من وضعه في هذا المنصب وهذا النوع هو النوع الأخطر بين الفاسدين.
عدم إحساس الموظف وخاصة الفاسد بأن هنالك من يمكن أن يحاسبه وأن الأمر سيقتصر على إقالته من منصبه بدون أي حساب بل على العكس يمكن ومن خلال دفعه لرشاوي أخرى أن يتم ترقيته في المنصب ليصل إلى منصب أكثر حساسية ويحقق له الدخل الأكبر من المنصب الماضي.
اجتماع تلك العوامل من أنواع وأسباب حول الفساد في سوريا إلى مؤسسة متكاملة لها رموزها ولها جهاز تنفيذي له هيكلية تنظيمية، بحيث يرى المراقب مجموعة من القطب المخفية سواء اقتصادية أو إدارية وحتى اجتماعية تدير حالة الفساد بدقة متناهية.
وترى أن أي شخص يقف ضد هذا الفساد أو يحاول معالجته يعتبر شخص منبوذ ومحارب من الجميع وأصبح الفاسدين حالة غالبة في كل مفاصل الحكومة ونذكر أيام كان المواطن يراجع أحد الدوائر فيرى موظف منبوذ من رفاقه لأنه فاسد ويتقاضى رشاوي أما اليوم فندخل نفس الدائرة لنرى موظفاً منبوذ من رفاقه لأنه لا يتقاضى الرشاوي والغالبية منهم تتقاضاها.
بعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد من الفساد في مفاصل الحكومة أصبحنا في مرحلة "اللاعودة"، فلا يمكن إيجاد آلية ناجعة أو قانون حقيقي يمكن أن يكافح هذا الفساد بل أن الأمر وصل إلى أن من يريد أن يحارب الفساد هو فاسد بشكل أو بأخر ضمن هذه المنظومة.
لاشك أن للفساد الدور الأكبر في نشوء الأزمة السورية ولابد لنا من العودة إلى قبل الأزمة وملاحظة أن المواطن السوري كان يشعر بنوع من عدم العدالة ونوع من ضبابية مستقبله بسبب ترسخ حالة الفساد الإداري والمجتمعي, وهنا استطاع أعداء سوريا استغلال هذا الشعور، وذلك بتحويل المواطن السوري إلى أداة بأيديهم من خلال التركيز على ما يسمى عقدة كره الدولة ومحاولة الخروج عليها.
وكرست لدى المواطن السوري أنه مظلوم وأن المواطنين غير متساويين أمام القانون، وأن من يدفع الرشاوى يحصل على ما يريده الأمر الذي حول شريحة من المواطنين السوريين إلى أداة بيد أولئك الأعداء يحركونه كما يريدون، ويجعلونهم في أحياناً كثيرة يدمرون بلدهم بأيديهم، إضافة إلى ذلك, ونتيجة الحاجة المادية وارتفاع الأسعار الناجم عن الأزمة ونتيجة عدم كفاية دخل المواطنين خلال هذه الفترة يرى المراقب للوضع العام، أن نسبة الفساد وصلت حداً غير مقبول وغير منطقي، وتحول باقي الموظفين، والذي لم يكونوا يقبلون الرشوة إلى مرحلة قبلوا فيها تلك الرشوة للاستمرار في تأمين حاجياتهم الأساسية وليس للحصول على الثروات فكان للأزمة الدور المدمر بالنسبة لموضوع الفساد الإداري وفي تفاقمه وتكريسه كطريقة للحياة.
بالمقابل، لا يوجد إحصائيات دقيقة للفساد في سوريا، وإذا عدنا إلى الإحصائيات الرسمية التي تؤخذ عادة من عدد الدعاوى والشكاوي الموجودة لدى القضاء والجهات الرقابية لوجدنا أن نسبة الفساد لا تتجاوز واحد من عشرين ألف وقد تكون أقل من ذلك بكثير, لكن إذا نزلنا إلى الدوائر، ودرسنا تلك الحالات بشكل مستقل نرى أن نسبة الفساد وممن يتقاضون الإكراميات، والتي هي في الواقع رشاوى مقنعة قد تصل إلى ما نسبته 75% من مجموع الموظفين، وهذا ما يمكن ملاحظته لأي شخص يدخل دائرة رسمية.
ومن الملاحظ أن مؤشر الفساد في سوريا قد وصل إلى معدلات قياسية مرتفعة جداً ولا بد من إعادة إيجاد خطة كاملة ومنهجية لمعالجة موضوع الفساد الإداري، لا بد بداية من العودة إلى أسباب الفساد، والتي كما أوضحنا سابقاً الحاجة المادية والرغبة بالحصول على ثروات عالية, ولا بد لنا من الاعتراف أن مبدأ الصرف من الخدمة، الذي أصبح مطروقاً في الآونة الأخيرة لا يحل المشكلة، فلابد من خطة كاملة للمعالجة تبدأ:
أولاً: المعالجة الاجتماعية الوطنية: المقصود بها هنا أن نعود إلى الفترة التي كان يعتبر الموظف المرتشي منبوذاً في دائرته وفي مجتمعه وحتى في أسرته أي تكريس أن الرشوة تقاوم برد فعل اجتماعي الهدف منه رفضها ورفض المرتشي والفاسد واعتبار أن المرتشي مضر بمصلحة الوطن أي أنه "خائن لوطنه".
ثانياً: المعالجة الاقتصادية: من خلال إيجاد طريقة لدعم دخل الموظف وتحسين حياته المعيشية من خلال حزمة من الإجراءات الغرض منها تأمين الموظف اقتصادياً، ومن هذه الإجراءات زيادة راتبه ودعمه ماديا خاصة إذا كان منصبه من الأهمية بمكان يجعله يتعرض للرشوة.
ثالثاً: المعالجة القانونية: لا بد من تفعيل دور الجهات الرقابية ورفدها بالشرفاء ولا بد من إيجاد عقوبات رادعة وكفيلة بمعالجة الفساد ومحاربة الفاسدين فلا يكفي الصرف من الخدمة بل لا بد من ملاحقته جزائياً ومالياً لتعويض الدولة مما أفسده من خسائر للدولة والمواطن.
لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون المؤسسات الأكاديمية هي الحل لموضوع الفساد فهي يمكن أن تكون الحل في حالة الفساد المتعلق بالدراية والعلم وهو أحد حالات الفساد لكن الحل الحقيقي يكمن في نوعية خريجين هذه الأكاديميات، وهل هم من الكفاءة والأخلاقيات "والمهم هنا الأخلاقيات" بمكان يجعلهم محصنين اتجاه المغريات المالية والإدارية التي قد يتعرضون لها.