شهد سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية تحسنًا مقبولاً خلال الفترة الماضية، وخاصة الدولار الأميركي الذي بيع قبل شهر بـ 555 ليرة، ليهبط اليوم إلى 525 ليرة، وكذلك سعر الذهب الذي بيع الغرام عيار 21 بمبلغ 19600، ليهبط اليوم إلى 18600 ليرة.
التحسن هذا مرهون بالواقع الميداني والحسم العسكري، وحسب الواقع؛ فإنّ الأمور تسير بوتيرة جيدة لصالح الجيش السوري في معظم مناطق الاشتباك. هناك مجموعة أسباب ستؤدي إلى انهيار الدولار خلال الفترة القادمة، خاصة بعد نهاية شهر رمضان، مع التنبيه إلى أنّ ارتفاعهُ خلال الأيام القادمة سيكونُ مؤقتاً بسبب عيد الفطر، بعدهُ سينهار بأكثر من 50 ليرة سورية:
السيطرة على طرق الواصلة بين المحافظات الكبرى وتأمينها، والمتوقع أيضاً تأمين شبكة الطرق المتبقية.
تحرير قسم كبير من ريفي محافظتي حلب ودمشق، أي تحرير أكبر مركزي اقتصاد في سوريا، والبدء بإعادة إعمار المناطق الصناعية، وهذا بحد ذاته تحريكٌ قوي لعجلة الاقتصاد السوري. كذلك تحرير أرياف حمص وحماة سيساعد بشكل كبير على عودة سريعة للقطاع الزراعي الحيوي، وكذلك المنتجات الحيوانية كمواد أولية للصناعات الغذائية بعد عودة الأهالي والتي تتم حالياً بشكل متسارع.
السيطرة على طرق البادية وفتح الحدود مع العراق، ويعتبر المعبر البري الأهم لسوريا مع الخارج، على اعتبار المعبر مع لبنان باتَ مصدراً للخسارة الاقتصادية أكثر منه للربح. المنفذ الاقتصادي نحو الشرق يرتبط بدول حليفة سيكون له دور كبير جدا بإنعاش اقتصادي.
السيطرة بشكل عسكري وأمني على حقول النفط والغاز الرئيسية والأساسية في البادية السورية، وإبعاد خطر داعش عنها بشكل نهائي، وهذا سيؤدي لقفزة كبيرة مع البدء بإعادة ترميم وتأهيل آبار النفط والغاز وعودة مصادر الطاقة الرئيسية للمعامل وللتصدير.
راجع دراستنا السابقة والتي بدأت أوائل نتائجها تتحقق:
المتوقع فتح الطريق بين حلب والحسكة، بشكل أوسع وأكثر كثافة منه الآن، وسيكون تحت سيطرة الجيش السوري، وهذا يعني تأمين انتقال المحاصيل الزراعية للداخل السوري، وزيادة النشاط الاقتصادي الداخلي بتوفر المواد الخام، وكذلك البترول والغاز من الجزيرة السورية، ومن هناك سيتم فتح معبر ربيعة بالحسكة مع العراق ليكون رديفاً لمعبر التنف في التبادل التجاري.
استمرار وصول وفود شركات أجنبية وتقديم عروض لإعادة الإعمار، والذي بدأ فعلياً في المناطق الآمنة، أي أنّ فرص العمل ستبدأ بالتوفر بشكل كبير جداً.
السيطرة على سد الفرات والمحطة الحرارية الكهربائية، سيوفر إمداد كبيراً للطاقة المطلوبة، وهذا سيكون حسب مصادر مركز فيريل قبل نهاية الصيف الحالي.
مع نجاح العملية عسكرية القادمة باتجاه درعا، ستؤدي لاستعادة المعابر الحدودية مع الأردن، وستؤمن سهل حوران الزراعي الغني بالمحاصيل الزراعية.
العملية العسكرية الهامة أيضاً هي دير الزور، وقد تحتاج لبعض الوقت لكنها سترفدُ الاقتصاد بثروة زراعية وباطنية كبيرة.
الذي نؤكدهُ هنا أنّ رجال أعمال وشركاتٍ كبرى، منهم سوريون بدأوا يحزمون حقائبهم للعودة والاستثمار، وقد علم مركز فيريل بأنّ عشراتٍ منهم متواجدون في لبنان والأردن وتركيا ومصر، زادت اتصالاتهم بسوريا، وراحوا يُخططون كيف يمكنهم “التصالح” مع الحكومة السورية بهدف العمل والمشاركة في مناقصات… بالمقابل هناك دراسات حكومية لتسهيل شروط الاستثمار وجذب رؤوس الأموال سواء “الهاربـــة” أو الجديدة…
مع كلّ ما ورد، وحسب دراساتنا (سوريا ستشهد أفضل نمو اقتصادي في العالم خلال سنتين) فإن الدولار يسير نحو وضعهِ الطبيعي قبل الحرب على سوريا، والاقتصاد السوري يقتربُ رويداً رويداً من الانتعاش، عسى أن لا يقوم أعداءُ سوريا بخطوة تعرقل ذلك، ويبقوا منشغلين بمعاركهم بين قبائلهم في ممالك الرمال الزائلة.
سوريا ستشهد أفضل نمو اقتصادي في العالم خلال سنتين
تتبارى مراكز الدراسات في تصوير خسائر الحرب في سوريا بالأرقام العالية، وفي الحقيقة؛ لا يمكن معرفة أو تقدير هذه الخسائر ولو بشكل تقريبي، بما في ذلك الخسائر البشرية، لكن الملاحظ هو بدء وسائل الإعلام الغربية بإعطاء صورة قاتمة للوضع الاقتصادي القادم في سوريا، في محاولة لبثِ روح اليأس اقتصادياً، بعد أن فشلت عسكرياً في إضعاف ثقة الشعب السوري بالجيش، وجاء انتصار حلب ليفتح الباب أمام تنبؤاتهم الاقتصادية القاتمة.
نظرة سريعة على ألمانيا 1945:
خسرت ألمانيا الحرب وخسرت معها أيضاً 7,5 مليون إنسان، وضعفهم جرحى ومشوهي حرب، وتدمير كافة البنى التحتية والمدن والمنشآت والمطارات والموانئ، وقُسّمت إلى جزأين؛ شرقي وغربي… وقامت الولايات المتحدة بسرقة جميع الاختراعات التكنولوجية والعلمية، وبراءات الاختراع في ألمانيا. وحسب جون جيمبل: “سرقت الولايات المتحدة وبريطانيا ما قيمته 120 مليار دولار من ألمانيا.”.
عام 1947، أي بعد سنتين على نهاية الحرب وبدء إعادة الإعمار وتطبيق خطة مارشال، والتعامل بالمارك بدلاً من عملة الاحتلال، بدأ الانتعاش الاقتصادي في ألمانيا، خاصة في الجزء الغربي الذي سيطرت عليه واشنطن، بقروض ومساعدات بلغت 13 مليار دولار على مدى خمس سنوات، أي ما يعادل 130 مليار حالياً. بعد عشر سنوات، أي عام 1955 كانت البطالة في ألمانيا قريبة من الصفر، واحتاجت لاستيراد اليد العاملة، وأقلعت الماكينة الألمانية الجبارة.
حقائق عن سوريا 2017:
بعد ست سنوات من الحرب، لا توجد أرقام موثوقة بحجم الخسارة البشرية أو الاقتصادية، لكن المؤكد هو دمار في البنى التحتية وفي قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والتعليم والصحة، وتعتبر حلب أكثر المدن تضرراً، نتيجة التدمير أو سرقة المعامل من قبل تركيا، وهروب رؤوس الأموال. لكن إذا نظرنا لنتائج الأبحاث في دول الخليج والأردن ولبنان والولايات المتحدة، والتي تتحدثُ عن تكلفة الحرب، وجدناها أرقاماً خيالية؛ بما في ذلك ما صدر عن البنك الدولي والأمم المتحدة، فقد ذكروا وبعبارة “إذا كنا متفائلين”، رقم 700 مليار دولار إن انتهت الحرب 2016! 700 مليار دولار هي خسائر الحرب في سوريا، هذا الرقم صحيح لو حدثت الحرب والدمار في دول متطورة وشملت مراكز فضاء ومعامل طيران وسيارات ومحطات مترو، أمّا أن نقول أنّ خسائر سوريا هي 700 مليار دولار فهذا رقم وُضِعَ للإحباط فقط.
حسب مركز فيريل للدراسات؛ خسرت سوريا 363% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بناتجها لعام 2010، حيث كانت الميزانية 16،55 مليار دولار، وكان التمويل المحلي 98% من الميزانية، بينما بلغت الميزانية عام 2016 مبلغ 7،7 مليار دولار أي أقل من النصف، فإذا اعتمدنا مبدأ النمو الطبيعي في الميزانية فيجب أن تكون ميزانية 2016 هي 28 مليار دولار، والخسارة خلال خمس سنوات تكون تقريباً 60 مليار دولار في الميزانية.
كي لا يقعَ السوريون بمتاهة الإحباط الذي يقصدهُ البنك الدولي والخليج، يجب أن نعلم أن ميزانية شركة فولكسفاغن السنوية لعام 2015 هي 215 مليار دولار، أي 25 ضعف ميزانية سوريا، فعن أي أرقام يتحدثون! متطلبات الشعب السوري بسيطة، والذي صمد ست سنوات بدون كهرباء وماء وتحت قذائف الهاون والخطف وغلاء الأسعار، سيخرج من هذه المحنة بأبسط مما يتوقعون.
أكثر المدن تضرراً هي حلب وحمص، وإعادة إعمارها تحتاج إلى 4 مليار دولار للمدينة الواحدة، وفق نظام تخطيط المدن الحديثة. وبحساب بسيط نرى أنّ إعادة إعمار كافة المدن والقرى المتضررة كما كانت عام 2010، يحتاج إلى 48 مليار دولار. بالنتيجة خسائر الحرب على سوريا هي 120 مليار دولار وليس 700 مليار دولار كما يروّج له الصندوق الدولي، وهو رغم ذلك مبلغ كبير، لكن سوريا قادرة على ذلك بدون شكّ، إذا علمنا أنّ حجم الاستثمارات القادم في مجال البترول والغاز ، فحقل الشاعر قرب تدمر سوف يُنتج 3 مليون متر مكعب يومياً، والسعر العالمي للمتر المكعب هو 16 دولار، وقِس على ذلك.
سوريا بحاجة من 900 إلى مليون و200 ألف يد عاملة لإعادة الإعمار، وهذا يعني التخلص من البطالة بشكل كامل للسنوات العشر القادمة.
كي لا نوصف بفرط التفاؤل، يجب أن نعلم أنّ المرحلة القادمة قد تشهد ارتفاعاً في الأسعار، خاصة العقارات وغلاء المعيشة، رغم التوقعات بهبوط سعر الدولار. وزيادة بل مضاعفة الرواتب أمر لا مفر منه.
إعادة إعمار سوريا
إذا عدنا للمقارنة؛ نجد أنّ ألمانيا خسرت عشرات الأضعاف مما خسرته سوريا بشرياً واقتصادياً وسياسياً، والأهم أنّ سوريا ستخرج من الحرب منتصرة عسكرياً وسياسياً. فإن كان البنك الدولي وأعداء سوريا يريدون زيادة مأساتنا، فبحسب مركز فيريل: “الاقتصاد وهم كبير، والبورصة كذبة خيالية.”. إشاعة واحدة تكفي لانهيار الأسهم وخسارة المليارات وكله أمر غير محسوس، فأين هي بورصة دمشق التي انهارت؟
الذي يريدهُ المواطن السوري هو: كهرباء، ماء، أسعار مقبولة، وأمان، وهذا واجب الدولة وليس فضلٌ منها. نكرر: من واجب الدولة تأمين كافة مستلزمات الحياة للشعب السوري، الذي صمد سنوات ولم يترك أرضه ووقف مع جيشهِ في حربه ضد إرهاب الدول. لهذا وحسب توقعات مركز فيريل للدراسات، تحتاج سوريا لسنتين منذ إعلان نهاية الحرب وبدء إعادة الإعمار، كي يكون النمو الاقتصادي فيها الأعلى عالمياً، لكن ضمن الشروط التالية:
محاربة الفساد بكافة أشكاله، والتخلص من المظاهر المسلحة المؤيدة والمعادية للدولة، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين وأثرياء الحروب وما أكثرهم، ومحاسبة الأثرياء الذين فرّوا بأموالهم من حلب خاصّة إلى تركيا ومصر، إن قرروا العودة، لأن “سوريا ليستْ فندقاً.”.
وضع خطة اقتصادية مدروسة، والاستفادة من خبرات اليابان وألمانيا في إعادة الإعمار على أسس صحيحة غير عشوائية، والبدء بالأساسيات: البنى التحتية، الماء، الصرف الصحي، الكهرباء، المدارس، المواصلات. ومنع البناء العشوائي، ومراقبة البلديات. أمّا إذا كانت الحكومة ستبدأ أولاً بإعادة بناء دور العبادة والمراكز الدينية وصالات البلياردو مع كاميرات ومسؤولين هوايتهم حمل المقص وقصّ الشريط الحريري، والدبكة والتصوير، فسوف تُحقق المثل الشعبي: “مطرح ما… شنقوه.”.
الأولوية في إعادة الإعمار للسوريين أولاً وعاشراً، عقود الاستثمار وتراخيص الإعمار يجب أن تُعطى لرجال الأعمال والمستثمرين السوريين الذين ساندوا الجيش السوري، ثم تأتي روسيا وإيران والصين والدول التي وقفت بجانبنا.
الأولوية في اليد العاملة وأصحاب الخبرة لذوي الشهداء، ولمن وقف منذ البداية مع الدولة.
عدم الانتقام ممن وقف في صفوف المعارضة غير المسلحة من ناحية التوظيف أو اليد العاملة.
استبعاد نهائي لتركيا ودول الخليج من أي عقود استثمار وحظر استيراد منتجاتها، وعدم الوقوع بنفس “الجورة” التي أوقعتنا بها الحكومات السورية باحتضان التركي والسعودي، وتفضيل منتجاتهم على منتجات السوريين.
يُقدّر مركز فيريل أن 30% من السوريين المقيمين في كافة دول العالم، والذين خرجوا بسبب الحرب، سيعودون في السنة الأولى إلى سوريا، وقد تحدث طفرة في العودة، بسبب وجود فرص عمل كثيرة وفي كافة المجالات، بينما يعانون من البطالة في أماكن إقامتهم الحالية. لهذا على الدولة السورية إيلاء قطاع المواصلات الاهتمام الفوري، خاصّة الخطوط الجوية، كي لا تذهب أجور الرحلات إلى جيوب الغير.
استثمار الثروات الباطنية المكتشفة، والتصريح الإعلامي بها وبالعقود المُبرمة.
وزارة الإعلام، بحاجة لهزّة أرضية.
وضع نظام ضريبي ملزم لأصحاب الدخل العالي، ويكفي أن نعرف أنّ التجار السوريين الذين فروا من سوريا بسبب الحرب، وافتتحوا معامل في مكان إقامتهم الجديد، يفتخرون بأنهم كانوا يتهربون من دفع الضرائب للدولة السورية، بينما يدفعون “بالشبشب” الضرائب الآن لتركيا وأوروبا.
تأتي لاحقاً، الاستثمارات السياحية وترميم الآثار.