رغم كل ما يُحمّل القلب البشري من أعباء عاطفية هو منها براء، فقد تمكن العلم من حلّ كثير من مشاكله إلى حدّ استبداله كاملاً بجهاز صغير وبطارية صغيرة وجهاز تحكم صغير!
لكن الإنجاز الأهم كان عندما تمكن العلماء مخبرياً من "صنع" قلب بشري من زراعة الخلايا البشرية نفسها، سوى أن مشكلة "بسيطة" اعترضت هذا الإنجاز: هذه الخلايا بحاجة إلى تروية دموية دائمة أسوة بالأصلية، والتروية تتم عبر شعيرات دموية لا يتجاوز قطر الواحدة منها 5 إلى 10 ميكرومتر، وما تحتاجه هذه الخلايا ليس بضعة سنتيمرات، بل أمتاراً طويلة، تغطي كل خلية "مزروعة" وتوصل إليها الأوكسجين والغذاء وتحمل منها الفضلات.
هذه الشبكة هي "العائق" أمام إنهاء مشكلة القلب ذي الخلايا المزروعة.
لكن "السبانخ" قد يحمل الحل!
فقد تمكّن فريق من علماء في معهد "ورسستر" للتكنولوجيا من بناء "نسيج قلب بشري" من أوراق السبانخ، عبر تحويل ورقة من هذا النبات الشهير إلى "نسيج حي" باستخدام "الأوردة" النباتية الموجودة أصلاً في الورقة، وتحويلها لتعمل على نقل الدم.
"هناك تشابه مفاجئ في بنى الشبكات الوعائية التي تنقل السوائل والمواد الكيميائية والجزيئات الكبيرة بين النباتات والحيوانات، رغم أنها طرق مختلفة"، كتب العلماء في مقالهم الذي يشرح ما توصلوا إليه.
جُرّدت ورقة السبانخ من مادتها الخضراء، فبقيت الأوعية وحدها عارية، وهي مكونة من السللوز، وتحافظ على بنية الورقة، هذا السللوز ممتاز لاستخدامه في العينات المزروعة في المختبر، وهذه الأوعية ملائمة للنسيج البشريح الحي، ورخيصة التكاليف ومتوفرة.
"لم نكن متأكدين من نجاح ذلك. لكن تبين أنه سهل جداً، وقابل للتكرار، وصالح للعمل على عدة أنماط أخرى من النباتات"، قال الباحث الرئيسي "جوشوا غيرشالك" بعد أن نجح بتروية قلب عبر هذه الشبكة "السبانخية".
ليس السبانخ وحده الصالح لهذه الخدمة، بل أيضاً البقدونس والأفنستين (الشيح الرومي) وحتى الجذور الشعرية للفول السوداني.
الأمر بسيط: خلص العلماء ورقة سبانخ من كل ما فيها باستثناء شبكة أوعيتها الخاصة، وزرعوها في عينة نسيج قلب بشري، فبدأت بنقل الدم والسوائل كما لو كانت "شبكة وعائية دموية" عادية، وبدأ القلب بالخفقان.
بالطبع، لم يبدأ بعد استخدام هذه التقنية الجديدة في الحياة الواقعية للبشر، لكنها أثبتت صحتها علمياً، وبالتالي صار الطريق مفتوحاً لتحويلها إلى "نتيجة ملموسة" في صدور بعض الناس الذين يعانون من تضرر نسيج القلب لأسباب عدة، منها الآثار التي ترتبها النوبات القلبية.
مملكة النباتات صارت مع هذا الاكتشاف أقرب بكثير إلى "المملكة الثانية" الحية التي تتقاسم معها الحياة على هذا الكوكب: مملكة الحيوان التي ينتمي إليها الإنسان.