لا تشعر بالذنب الذي يعني التخلي عن القوة, ذلك أنها دائماً تتكلم عن المسؤولية....
مسؤولية تجلب السعادة لتمحو آثار الحزن ، فتدخلك في دهاليز الضوضاء لترسو بك على شواطئ الصمت ، ثم تختفي عنك لتشعرك بقيمة الحضور . ما أن تشعر بأن عشتار تتألم ، حتى يثور ذاك الشيئ الكامن منذ قرون في داخلك يذود عن الخصب و الحياة و الحب و الحنان..... وحدها إبتسامة الطفل في أحضان والديه و هم ينتظرون الولوج إلى بلاط عرشها, وحدها ، تحرك عنفوان الذود عن آخر قلاع البقاء لتأذن بولادة جديدة .
منذ فترة وجيزة أثير على بعض مواقع التواصل الإجتماعي قضية تعرض طبيبة نسائية للفصل التعسفي من عملها في إحدى المشافي الخاصة في مدينة دمشق دون سابق إنذار ، بسبب مساعدتها لنساء الفقراء وجرحى الجيش العربي السوري من خلال تنازلها عن أجرها الذي تتقاضاه مقابل العمليات الجراحية التي تجريها لهم .
من حيث المبدأ......
مثل هذه الحادثة إن صدقت ، فهي كفيلة بأن تهز الضمير لما تحمله من ظلم يقع على عاتق من أخذ على نفسه عهدأً بتقديم العون و المساعدة المجانية لمن يستحقها في وقت بات الوطن به أحوج ما يكون لمثل هذه الأيدي البيضاء, ومن جانب آخر ، فعندما يجد الإعلامي أصواتاً متعددة تطالبه بتسليط الضوء على هكذا قضية ، فلا يسعه إلا أن يلبي النداء لسببين, أولهما ، وضع النقاط على الحروف و إظهار الحقيقة لَجّمَاً لبعض من يتصيدون في المياه العكرة .
وثانيهما ، أن الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، خصوصاً و أننا أمام جهتين طبيتين لهما ما لهما من ثقل و بصمات لا يستطيع أحد أن ينكرهما سواءً قبل أو أثناء الأزمة التي عصفت بالبلاد .
الدكتورة ريم عرنوق أخصائية التوليد و أمراض النساء وجراحتها ، أحسنت وفادتنا و باحت بعد فترة كُمون بما يختلج صدرها من ظلم تفاجأت به في أروقة الوسط الطبي في دمشق على وجه الخصوص .
بدأ الحديث معها عن مدينة حلب حيث كانت تقيم و تعمل و كيف أنها إنتقلت للإقامة و العمل في دمشق بعد أن فعل الإرهاب ما فعله و خسرت بذلك عيادتها و مسكنها و بات التهديد بالتصفية الجسدية يقرع بابها كل دقيقة, ما أثار حفيظتها في دمشق الأسعار الخيالية التي يتم تقاضيها كأجر لعمليات الولادة القيصرية في بعض المشافي الخاصة حيث تراوحت تكلفت العملية الواحدة مابين 200000 و 300000 ل س في حين أنها في مدينة حلب لا تتجاوز ال 50000 ل س .
من جهة أخرى فرض العمليات القيصرية من قبل بعض الأطباء و المشافي الخاصة علماً أن الولادة الطبيعية ممكنة و بكل سهولة ، ولكن التحايل على المريض و تهويل الحالة الصحية له كان هو بيت القصيد من أجل إستجرار أجور مالية أكبر من تلك التي تتم في الولادة الطبيعية, ناهيك عن عدم إستخدام آلية إبدال المواد المطاطية و القماشية التي تستخدم في المعاينة و العمليات الجراحية علماً أن هذه المواد معدة للإستخدام مرة واحدة ثم رميها في سلة القمامة....إلا أن البعض يعمد إلى تعقيمها بطريقة الغسل من أجل الوفرة المادية متناسياً أن هناك بعض الفيروسات القاتلة التي لا يؤثر بها هذا النوع من التعقيم ما يؤدي إلى تفاقم حالات إنتانية خطيرة قد تودي بحياة المريض .
هذه الأسباب و غيرها كانت كفيلة بأن تجعل الدكتورة ريم تثور على الباطل و هو ما أدى إلى تركها العمل في إحدى المشافي الخاصة المشهورة في دمشق بعد أن تعرضت لضغوطات كبيرة ترفض وجهة نظرها, ثم إنتقلت للعمل في مشفى آخر عملت به لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات لتجد نفسها بعد ذلك خارج المشفى بقرار فصل عن العمل إتخذه مجلس إدارة المشفى و هو أساس محور تقريرنا هذا ...
الدكتورة ريم في ذلك اليوم أعلمت إدارة المشفى بأنها ستجري عملية ولادة لسيدة متزوجة من شخص عسكري و لن تتقاضى أجرها الشخصي عن العملية كعادتها في كثير من الحالات التي سبقتها و بالمقابل فإن أجور المشفى سيتم تسديدها بشكل كامل. الملفت للإنتباه أن قرار فصل الدكتورة كان جاهزاً بعد خروجها من غرفة العمليات بدقائق ، مع العلم أن إحدى القنوات التلفزيونية كانت على وشك الوصول إلى المشفى لإجراء ريبورتاج عن مثل هذه المبادرة الإنسانية إلا أنه تم الإعتذار من هذه القناة بسبب التطورات التي حدثت, لكن بالرغم من ذلك فإن الدكتورة ريم لم يثني عزيمتها مثل هذا القرار بل زادها إصراراً لإكمال مسيرتها ، و هي الآن تمارس عملها في مشفى خاص آخر في دمشق على أكمل وجه .
وعلى صعيد العلاج في عيادتها فحدث ولا حرج...
فهل يعقل أن يتقاضى طبيب أجرة معاينة و تصوير إيكو مبلغ 2500 ل س في زماننا هذا ناهيك عن الكثير من المراجعات و الكشوف و العمليات الجراحية المجانية .
بصراحة.....نعم و هذا ما شاهدناه بأم العين .
في اليوم التالي توجهنا إلى المشفى موضوع هذا التحقيق و التقينا بالطببب الذي يشغل منصب المدير الإداري للمشفى, و الشيئ بالشيئ يذكر فإن الطبيب أثنى بشكل كبير على الدكتورة ريم وجهودها و كرمها و طيب تعاملها مع المرضى، إلا أنه أوعز سبب الفصل لخلافات لها علاقة بالنظام الداخلي للمشفى و هو ما إستدعى من رئاسة مجلس الإدارة إتخاذ هذا القرار بعد توجيه عدة إنذارات للدكتورة ريم .
حاولنا أن نعرف هذه الخروقات التي إستوجبت هذا القرار وما إذا كان الموضوع الذي أثير عبر وسائل التواصل الإجتماعي هو سبب الفصل إلا أن الدكتور إمتنع عن ذكرها و أنكر ما يتم تداوله مؤكداً على أن المشفى قدمت وما زالت تقدم على قدر المستطاع و ضمن الإمكانيات المتاحة المساعدات المطلوبة لذوي الدخل المحدود ، ناهيك عن تلبية العمل الإسعافي بشكل فوري..... علماً أنه أجاب على سؤالنا الذي طرحناه حول أجور العمليات الجراحية القيصرية مفيداً بأن ذلك يختلف من مشفى إلى مشفى ووزارة الصحة حتى الساعة لم تتطرق لهذا الملف .
ملاحظة :
قد يستغرب القارئ الكريم الغموض في هذا التقرير حول بعض الأسماء التي تحفظنا عن ذكرها, هنا لا يسعنا إلا أن نحترم وجهة نظر كلاً من الطرفين المتنازعين و أن نكون عند حسن ظنهما بنا بعيداً عن أسلوب الصحافة الصفراء التي تعتمد على نشر الفتن و الضغائن و تحريك المياه الراكدة في المجتمع .فكلاهما كان يفضل عدم تداول هذا الموضوع بشكل شخصي لأن القول الفصل في ذلك يعود لأصحاب الشأن .
علماً أن هناك الكثير من المحاور موضوع المشكلة التي بحثناها و لكن أثرنا عدم ذكرها في هذا التقرير بسبب حساسية الموضوع و نزولاً عند رغبة الطرفين .
بالإضافة إلى أن إجراء كلا المقابلتين تم في جوٍ شخصي وودي بعيداً عن تكلفات العمل الإعلامي و رسمياته .
في النهاية ......لا يسعنا إلا أن نتمنى التوفيق للدكتورة ريم بموجب ما شاهدناه على أرض الواقع و ما قرأناه من علامات الرضى و السعادة في عيون المرضى الذين إرتادوا عيادتها متمنين لها دوام الصحة و العافية.... ذلك أن مهنة الطب هي رسالة إنسانية قبل أن تكون مورد رزق ، وليس كل من إمتهنها ...إحترمها إلا ما رَحِمَ ربي .
وهذا الوطن لا يلثم جراحه و يبلسمها إلا من صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
Ammar Awad