بالحديث عن مستقبل النفط أشار العديد من الخبراء الاقتصاديين إلى أنه في الأعوام العشرة المقبلة ستتعرض الدول النفطية لمزيد من المشاكل الاقتصادية إذا لم توسع استثماراتها، معتمدين بهذا التوقع على بيانات الاكتشافات الجديدة الموجودة لدى الغرب خاصة الغاز الصخري، الذي سيؤدي إلى تراجع أسعار الطاقة، وبالأخص الغاز والنفط، وبالتالي التأثير على ميزانيات الدول على المدى القصير و البعيد.
ولهذا رجّح خبراء أن تحقق الدول الكبرى المصدّرة للغاز المُسال ميزّة استراتيجية في تسويق إنتاجها، على رأسها قطر، وسط بوادر عجز قطاع الغاز المُسال في الولايات المتحدة عن التكيف تماما مع أسعار منخفضة للطاقة.
من جهة أخرى توقّع البنك الدولي والمؤسسات الدولية، أن يكون هناك انخفاض خلال الأعوام العشرة المقبلة للغاز الطبيعي بنسبة 20 إلى 25% ، ويؤكد توقع البنك الدولي ان هناك تكنولوجيا جديدة، وان الطاقة الصخرية ليست موجودة حصريا في الولايات المتحدة، إنما أيضاً في الصين، وفي العديد من دول العالم، وفي أوروبا، لكن دولاً أخرى تمنع استخراج هذه الطاقة باعتبارها مضرة للبيئة، ومن المحتمل مع اشتداد الصراع السياسي خاصة مع روسيا أن يتم الاعتماد على هذه الطاقة.
وانعكست التوقعات المتشائمة بصورة واضحة على الخسائر الضخمة، التي تعرضت لها الأسواق المالية في الخليج "الفارسي" خلال الأسبوع الماضي، وفي مقدمتها السوق السعودي باعتبار أن أسواق المال عادة ما تعكس توقعات المستقبل سواء كانت توقعات متفائلة او متشائمة، وحيث تخشى الأسواق الخليجية من انخفاض سعر البرميل إلى 75 دولارا خلال العام المقبل، مما يؤثر على الإنفاق الحكومي وأداء الاقتصاد وأداء الشركات وانخفاض الودائع الحكومية وضعف جوده الأصول وتراجع جوده الائتمان السيادي.
وعلى هذا الأساس تراجع الاستهلاك العالمي نتيجة البيانات الاقتصادية السيئة لأوروبا واليابان، والأسباب الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوروبا، وتراجع النمو في الصين، وغطت الضبابية الصورة المستقبلية للاقتصاد العالمي. ولهذا خفض العديد من المنظمات والوكالات الدولية، مثل أوبك ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة توقعاتها بخصوص نمو الطلب العالمي على النفط خلال العامين المقبلين، إذ تؤكد البيانات الاقتصادية لكبار المستهلكين مثل الصين واليابان والولايات المتحدة، استمرارية التباطؤ الاقتصادي أطول من المتوقع.
ولعل لهذه المعلومات تأثير مهم على حركه أسعار النفط، خلال الأعوام المقبلة، ولاشك أن الانخفاض الكبير في سعر النفط سيؤدي إلى مؤشرات عجز متفاوتة، نتيجة الالتزامات الضخمة التي تعهدت بها الدول الخليجية، خلال خططها التنموية للسنوات السابقة وهو ما أكدته وكالة الطاقة الدولية، بأنها لا تتوقع أن تتخذ منظمة “أوبك” قراراً بخفض الإنتاج خلال اجتماعها المقرر في فيينا الشهر المقبل.
ومن الواضح أن أسعار النفط الحالية مقابل المستقبل، مازالت حسب المنحنى السعري تؤكد قلق السوق بخصوص الأجواء الجيوسياسية واستمرارها، وكذلك قرب نهاية العام والذي عادة ما يقوى فيه الطلب مع فصل الشتاء وارتفاع الطلب على النفط.
أخيرا يمكن القول انه وفي ضوء كل المتغيرات التي تحيط بسوق النفط العالمية، أصبح توقع اتجاه أسعار النفط العالمية ليس بالأمر اليسير، لتأثرها بعوامل من الصعوبة توقعها، ومنها ما يتصل بالصراعات الدولية والمشاكل الداخلية في بعض الدول النفطية مثل ليبيا ونيجيريا والعراق. وعليه ستبقى الأسعار المستقبلية للنفط رهينة قدرة العالم على تلبية نمو الطلب العالمي عليه.