من البديهي ان اتخاذ القيصر الروسي بوتين قراره بسحب معظم قواته العسكرية من سورية _ في مرحلة حرجة من تطور وتعقيدات مسار الأزمة في سورية ،خاصة وأن القيصر قد فاجأ الجميع بالقرار من حيث التوقيت ولم تقتصر المفاجأة على الوطنيين السوريين فهو بقراره المفاجئ هذا صدم الغرب أيضا ومعه الدول الاقليمية المحسوبة على الغرب و الغارقة معه حتى الأذنين في الموضوع السوري _ يثير موجة عاصفة من التساؤلات ومعها قراءات كثيرة وتفسيرات متعددة ومهما اختلفت القراءات فان من المؤكد في اعتقادي أن الأمور ستتجه نحو مزيد من التصعيد والشراسة في الحرب التي ان قدر لسورية أن تخرج منها فانها ستخرج قوية منتصرة ..ولاعبا اقليميا مهما وعلى حساب دول اقليمية أخرى
ان فهم القرار الروسي في الوقت الراهن على الأقل هو صعب ونحتاج انتظار النتائج الحقيقية لهذا القرار قبل تقييمه والبناء عليه في التحليلات والاستنتاجات ففي السياسة لا يجب أخذ الأمور بظواهرها .. خاصة و أن القرارلايشمل انسحاب كل القوات وواضح انه لا يعني وقف العمليات الحربية الروسية في سورية من جهة يضاف الى ذلك أن بوتين يجيد لعبة الجودو ليس في الرياضة فقط وفي تقرير سرب عن مسؤول في وكالة الاستخبارات الأمريكية يعترف بعجز الوكالة عن التنبؤ بما يدور في ذهن القيصر او بما يخطط تم نشره قبل قرار الأخير بالانسحاب بعدة أيام .. من هنا أفترض أن روسيا لم تحرك قواتها بهذا الزخم الهائل باتجاه سورية لتنسحب هكذا ببساطة
ربما قرار القيصر بارسال القوات ثم قراره بسحب معظمها هو قرار سياسي بامتياز وليس قراراً عسكريا بالدرجة الأولى .. وبذلك يكون القيصر خدع العالم بمن فيه الولايات المتحدة.. حيث أرسل القوات ليثبّت الريئس الأسد ويكشف حقيقة داعش لتعود روسيا بقوة الى الشرق الأوسط وبالتالي الى الساحة الدولية لتثبت انها قوة عالمية كبرى وليست قوة اقليمية كبرى كما يحلو للأمريكيين الترويج عن روسيا عادة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وفي نفس الوقت استطاع القيصر الترويج التجاري لانتاجه الحربي الحديث والمتطور وكذلك لسلاحه الجوي والصاروخي الذي أبهر الغرب في دقة الاصابة .. حقق بوتين كل تلك المكاسب دونما كبير انفاق في موازنة معادلات الربح والخسارة لتطغى الفائدة على الانفاق والخسارة : Cost- Effect فروسيا أنفقت حتى الآن على حملتها في سورية ما تنفقه عادة ضمن أراضيها على برامج التطوير والتحديث والتدريب للقوات المسلحة الروسية .. وبذلك تكون روسيا قد أتت الى سورية لأجل نفسها وهيبتها ومجدها ولتثبت موطئ قدم لها في المياه الدافئة لتلك المنطقة الاستراتيجية و الحساسة بموقعها وثرواتها .. فمن سورية يمكنها التمدد باتجاه قلب الخليج العربي وصناعة الحلفاء هناك وهو ما دأب بوتين على تحقيقه سواء مع العراق أو مصر أو حتى الآردن والامارات ..
مصر مثلا رغم انها تتجنب اظهار دعمها العلني للرئيس الأسد في حربه في سورية فإنها تعلن بوضوح تأييدها للتدخل الالعسكري والسياسي الروسي في الأزمة في سورية .. بينما سحب الأردن مؤخرا وفق تقارير دعمه لما كان يسميهم " ثوار" خاصة على حدود المملكة الهاشمية مع سورية ( الجبهة الجنوبية من سورية) .. ولا أستبعد أن تفلح روسيا في تقديم الرئيس الأسد للمجتمع الدولي مجددا كقاهر للدواعش والنصرة (القاعدة) والارهاب الدولي ليصبح شريكا لا غنى عنه في مكافحة الارهاب وبالتالي مكافأته على ذلك على حساب خصومه " المعارضة وداعميها الاقليميين السعودية وتركيا " مما يخفض من سقف طموحات هؤلاء الخصوم ومطالبهم .. والتسريبات الأخيرة توحي أن موسكو قدمت الى واشنطن مقترحات لا يمكن رفضها