تتبنى السياسة الإسرائيلية ظاهرة "التطرف الإسلامي" من منطلق مواجهة الفكر القومي العربي عامة, والفلسطيني خاصة, و لذا ونتاجاً لهذه السياسة نشأت "حركة حماس" في مطلع الثمانينات ومع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) م, وكانت المهمة الأولى الموكلة للحركة و التي تتلاعب بها أذرع الصهيونية هي محاربة الفصائل الفلسطينية الأخرى ذات الطابع اليساري, وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية, والتي تتبنى فكراً قومياً عربياً يُعده إسلاميو حماس نوعاً من التشيع والخروج عن الإسلام, وهو ذات الشيء الذي كانوا يحاربونه في سوريا إبان حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد (رحمه الله) كونه كان زعيماً علمانياً لحزب البعث العربي, والذي كن له إسلاميو أتباع حركة حسن البنا كل البغض فحاربوه و رفعوا ضده شعار (الإسلام أو البعث).
هذا التطرف وهذه الايدولوجيا التي انتهجتها "حركة حماس" كانت هي الأداة الأقوى التي اعتمدها الموساد الإسرائيلي لإعداد المسرح الذي تلعب علية الحركة لمحاربه كل من يقف ضد مصالحه, و لعل أكثر ما يجدر الإشارة إليه هنا هو تلك الخلافات التي بدأت تتأجج مؤخراً بين حركة حماس ومصر, ما يجعل شكوكاً كثيرة تحوم حول ماهية الدور الذي تلعبه حماس لصالح الموساد الإسرائيلي "بوعي أو بدون وعي", خاصة مع ما تمر به المنطقة من احتمالية اشتعال حرب ضروس ما إن تلتهب جذوة فتيلها في مكان ما, فتحرق أخضر المنطقة و يابسها, ولعل آخر تطورات احتكاك الحركة بمصر هو تصنيف الأخيرة لها كمنظمة إرهابية, ويليها اتهامها بالضلوع بمقتل النائب العام المصري. هذا التأجيج بين الطرفين ليس إلا سياسة إسرائيلية غايتها سلب مصر سيطرتها على منطقتها, و جرها لدائرة الرد العنيف على حركة حماس, و ليعمد "السيسي" بعدها لقصف الحركة فتشتعل المساحة الواقعة بين غزة و سيناء بحرب يسهل معها تفريخ بؤر القتل والقصف والتفجيرات, ليكتمل المشهد لاحقاً بحرية حركة إسرائيل وأمريكا في المنطقة كتدخل معتاد للأطراف (الأكثر عقلانية) لفض النزاعات, ومن ثم مكافحة الإرهاب!!
لـــذا نقول ... إذا كان الموساد الإسرائيلي و بمعيته أمريكا يجيدان إدارة صراعات المنطقة, فيتوجب الأمر ذاته على أنظمة المنطقة وحكامها, كي لا يكونوا لقمة سائغة لكل سياسة يبتدعها هؤلاء, و على مصر الركون إلى الهدوء, وعدم الاستجابة لأي استفزاز من الحركة, كما يتوجب على منظمة التحرير الفلسطينية, وعلى رأسها " حركة فتح" استيعاب "حركة حماس", بل و التصالح معها أيضاً لرأب الصدع ولم الشمل, و تفويت الفرصة على أذرع الماسونية البغيضة, خاصة أن موضوع خلاف كلاهما جوهري, و يفترض أن تكون المنظمة فيه أكثر وعياً وفهماً, فلا القومية العربية ستنجو بهكذا صراع, و لا العلمانية فيها من الحل الشيء الأمثل لمستقبل الإسلام والمسلمين, و قليلاً من الرُشد السياسي, ومثله من التنازل فيه من الخير الكثير الكثير لأمتنا العربية والإسلامية, ولدحر أعداء قدسنا و أقصانا, و عدا ذلك تربح الصهيوأمريكية.
فاطمة عباس باعلوي