لا يبدو ان الولايات المتحة الامريكية قلقة من الضربات الجوية الروسية خلال الهدنة المزعومة في سوريا كما هو حال الدول العربية وتركيا وتخوفهما من تطورات الوضع هناك , فالضربات الروسية الحالية لم تبدأ الا عقب سلسلة لقاءات جرت بين مسئولين امريكان وروس تكللت بالاتفاق , وما القلق الاعلامي الذي تبديه امريكا من هذا الخرق الا كالقلق الذي ظل ينتابها على مدار سنوات ما يسمى "بالثورة السورية" المزعومة دون ان يتحول هذا القلق الى فعل حقيقي على الارض .
لقد اعتمدت امريكا في بداية الأحداث في سورية على مبدأ ادارة الازمة السورية وليس حلها ولا زالت مستمرة على هذا المبدأ في الحفاظ على توازن جميع الاطراف بما يتواءم مع توجهاتها .
والسؤال الذي يطرح نفسه ... ما خطورة خرق تلك الهندنة واستمرار الجوية الروسية على المصالح الامريكية في سوريا والمنطقة ؟
ان اولويات السياسة الامريكية تنطلق من عدم تاثيرالمتغيرات السياسية في الشرق الاوسط على مصالحها وامنها القومي , وكذلك الموازنة بين حجم هذه المصالح وبين اثارة مشاكل سياسية او عسكرية مع اطراف ودول تنافسها القوة العسكرية والاقتصادية ... انطلاقا من هذه النقاط نستطيع تفهم حقيقة الموقف الامريكي فيما يحصل الان في سوريا وبعض ما يحصل في العراق .
لعقود من الزمن اعتبر العراق وسوريا حليفين مهمين للاتحاد السوفيتي في المنطقة .. نجحت امريكا في اخراج الاولى من هذا الحلف بعد عام 2003 بينما فشلت مع الثانية ( على الاقل لغاية الان) بسبب نجاح الدولة السورية في استغلال الوضع الاقليمي لصالحها وطبيعة علاقاتها مع الاطراف الدولية والاقليمية , اضافة الى التشبث الروسي بالرئيس بشار الاسد كونه يمثل اخر حلفاء روسيا في المنطقة , فاستماتت في الدفاع عنه بالتنسيق مع ايران التي ترى في سوريا بعدا سياسيا لا يمكن التفريط بها . و دخول اجندات محلية لدول المنطقة ( ايران – الدول العربية – تركيا) للازمة السورية بعدا اخر اعطت المجال لامريكا والغرب للرهان عليها في استنزاف قدرات جميع الاطراف هناك خاصة الجانب الروسي والايراني, لذلك فان التدخل الروسي المباشر الحالي وكدلك خرق تلك الهدنة يعتبران محاولة امريكية اخرى لخلق فوضى جديدة باسلوب جديد مع ابقاء خيوط اللعبة جميعها في يدها اعتمادا على النقاط التالية : -
تدرك امريكا ومن خلال تجاربها في المنطقة والعالم بان الضربات الجوية لا تحسم صراعا شرسا كالصراع الموجود في سوريا بتعدد اطرافها المتحاربة داخليا وخارجيا , ولذلك فهي مدركة بان الضربات الروسية الجوية وحدها لن تغير موازين القوى على الارض , اما موضوع الهدنة فهو بمثابة استراحة بسيطة حتي يجمع الاطراف المتحابة قواهم للدخول في جولات قادمة من الحرب والدمار. .
ان التجربة الافغانية للاتحاد السوفيتي تمنع روسيا من التفكير في وجود بري لها على الارض خاصة وان نفس الفكر الذي حاربها في افغانستان سيحاربها في سوريا ان فكرت في اشراك قوات برية تقاتل فعليا على اراضيها .
منع روسيا من ضرب قواعد المعارضة السورية التى تسمي ( المعتدلة) واقتصارها على تنظيمي داعش وجبهة النصرة الارهابيين , مما سيحد من تاثير هذه الضربات , ويمنع اي تغير حقيقي للمعادلة على الارض حتى بوجود قوات برية تابعة لايران او حزب الله عليها .
التركيز اعلاميا على مواقف الاطراف الاقليمية والاوروبية الرافضة للحملة الروسية في سبيل احراج روسيا سياسيا . وقد بدات المواقف الرافضة تنطلق فعليا من الدول العربية وتركيا والدول الاوروبية , وبيانات رجال الدين التي تدعو للجهاد والوقوف ضد الحملة الروسية بدات تملا مساحات اعلامية واسعة في المنطقة .
وهكذا فان امريكا لا تتخوف كثيرا من الحملة الروسية فيما اذا تم تحجيمها بشكل لا تتعدى فيه الحدود المسموح بها وان كان خرقها ضرورة لاستعادة الموازيين. . ان عدم وجود سقف زمني لهذه الهدنة تزيد من استنزاف الاطراف السورية ومعها ايران وروسيا ما يتطابق مع التوجه الامريكي بشكل دقيق . اما روسيا فانها تعي هذه الحقائق غير انها مضطرة للذهاب الى اخر الشوط لتخفيف وطاْءة المتغيرات المستقبلية على مصالحها في سورية بصيغة تكون فيها تحت حكم علماني مستقل غير تابع للغرب..لكي لا تصبح سورية موطئ قدم للناتو.