الطّائفية السّياسية تعني احتكار الحقّ الطّائفي في سبيل المنصب والسّلطة لا أكثر ولا أقلّ. ولا تنمو الدّول وتتطوّر عندما تحفظ حقّ الإنسان بحسب طائفته وإنّما بحسب كفاءته وقدرته على العطاء وخدمة المجتمع. ولا يُقيَّمُ الإنسان بحسب دينه أو طائفته او مذهبه وإنّما الإنسان قيمة بحدّ ذاته ولشخصه.
أما الإعلام بوسائله المرئيّة والمسموعة والمقروءة يشكّل سلطة رابعة، فوجب على هذه السّلطة أن تكون في خدمة الفكر الإنسانيّ، وليس في خدمة الطّوائف. ففي حين أنّه أصبح لكلّ طائفة قنوات وإذاعات وصحف، وخاصة في مجتمعاتنا العربية والاسلامية, وكلّ منها يعبّر عن مفاهيمه إلّا أنّ قلّة فقط تطرح تلك المفاهيم برقيّ إنسانيّ، أمّا الغالبيّة فتبحث عن ثغرات بعضها البعض وتحطّ من قدر الآخر. كما أنّ الإعلام يطرح مواضيعه السّياسيّة والإخباريّة بشكل طائفيّ وعنصري، ممّا يثير غرائز النّاس ويدفعهم للحقد على بعضهم البعض، وهم في الأصل يمكنهم أن يتعايشوا. ناهيك عن أنّه بذلك يخدم مصالح أفراد كُلّفوا ببثّ الفتنة، ويستفيدون منها ليحقّقوا مكاسب شخصيّة ولا علاقة لهم لا بنشر المفاهيم الأصيلة ولا بطرح المفاهيم الإنسانيّة.
واخيرا و الاهم دور رجل الدّين في هذا الصّدد هو الأخطر إذ إنّه يتحدّث باسم الله ثمّ يحثّ النّاس على الدّفاع عن الله. دور رجل الدّين، هو خدمة النّاس روحيّاً ليساعدهم على الارتقاء والسّموّ بقيم وفضائل إنسانيّة، وليس دوره تحريض النّاس على الاقتتال، أيّا كانت الأسباب.
وإن كان دوره يقتصر على التّربية الدّينيّة وحسب، فالأولى أن يربّي على المحبّة والتّآخي. وإن صدر خطأ ما من طرف ما فليستخدم الحكمة والعقل ليجمع وليس ليبدّد. ونرى بعض رجال الدّين يشحنون النّاس ويطرحون مفاهيمهم بعنف ويفرضون أنفسهم كقادة ومناضلين مدافعين عن الحقّ. ويحصرون الدّين في الطّائفة، ويختزلون المفاهيم الدّينيّة في وجهة نظرهم، ويلقّنونها للنّاس على أنّها الإيمان الحقّ، وكلّ ما سوى ذلك ضلال وتضليل.
وهنا نخلص الى نتيجة هامة وهي ان العلمانية المدنية هي المخرج الوحيد من الطائفية, لان العلمانية تجمع كل مكونات الشعب في بوتقة الوطن والمواطنة, وتقطع الطريق على تحكم تجار الدين بالمجتمع وتمنعهم من التدخل بالعمل السياسي.