أخطر المخطّطات التي استهدفت سورية، وهو مخطّط ربط القلمون بحرمون على وشك الانهيار والاندثار بعد أن كان يعوّل عليه كمخطّط رئيسي في إسقاط سورية والسيطرة عليها من قبل الجماعات المسلّحة.
مخطّط أكبر بكثير من حجم وقدرة هذه الجماعات، حيث كان لأميركا والسعودية وقطر وتركيا و"إسرائيل" الدور الرئيسي في تشكيل غرف العمليات المركزية، ووضع الخطط اللازمة والشروع في تحشيد وتدريب وتسليح وقيادة عمليّات الجماعات المسلّحة.
حتى 27 أيار 2013 تاريخ تحرير القصير، كنا أمام مشهد مختلف عن المشهد الحالي، فالجماعات المسلّحة تسيطر على مساحات كبيرة وحسّاسة في أرياف حمص والقلمون والضغط العسكري على العاصمة دمشق في أوجه والجيش العربي السوري في وضع دفاعي معقّد استلزم الكثير من الجرأة والشجاعة في تقدير الموقف واتخاذ القرارات. وكان التحدي الكبير هو الإبقاء على الوحدات العسكرية بوضع التماسك، والمحافظة على أعلى درجات الجهوزية بعد أن تلقّت ضربات كبيرة في أكثر من مكان كان الهدف الرئيسي منها تشتيت قوّة الجيش والتأثير في معنوياته وضرب إرادة القتال لدى ضباطه وجنوده من خلال عمليات عسكرية بالتوازي مع حرب إعلامية نفسية لا زالت تعمل حتى اللحظة وتغيّر من أنماطها بشكل دائم.
تحرير القصير كان بعد معركة تحرير باب عمرو في مدينة حمص باكورة مرحلة عمليات الهجوم المضّاد، حيث شكّلت معركة القصير حينها تحوّلاً كبيرًا في خرائط السيطرة وأسّست لسلسلة من العمليات في أرياف حمص انتهت بتحرير قلعة الحصن في نفس الوقت الذي كانت تعمل فيه وحدات أخرى من الجيش العربي السوري والمقاومة على تحرير بلدات القلمون. كان لتحرير يبرود وقع الصاعقة على مخططي الهجمة والجماعات المسلّحة، حيث بدؤوا يدركون جميعًا أنّ تحولاً استراتيجيًا قد حصل، فتم دفع الجماعات المسلّحة إلى أعالي الجرود وحصرها ضمن ممرات مسيطر عليها بالنار.
بين يبرود والزبداني ثمّة تحولات لا يمكن إغفالها في حلب وأريافها وما حصل من تحرير لأجزاء واسعة في الريف الشرقي وصل إلى مشارف جامعة المأمون، وفي الريف الشرقي الشمالي بتحرير السجن المركزي والمدينة الصناعية، وفي الريف الشمالي وصولاً حتى باشكوي ومزارع الملاّح، إضافة إلى الصمود الكبير على بوابات مدينة حلب في جمعية الزهراء والمخابرات الجوية شمالاً والراموسة والراشدين شرقًا وفي محيط السفيرة ومعامل الدفاع في الجنوب الشرقي، وصولاً إلى تحرير مساحات كبيرة في الريف الجنوبي وصولاً حتى تل أعزان وهو من التلال الحاكمة والمشرفة على مناطق واسعة في الريف الجنوبي.
في الغوطة الشرقية لا يجب أن ننسى الإنجازات الكبيرة في المليحة وعدرا وأكثر من قرية، وعلى مساحات واسعة أوصلت الجيش العربي السوري إلى مشارف دوما وإحداث التماس المباشر معها في أكثر من جهة.
في أرياف حماه نذكر جيدًا المناطق الواسعة التي تم تحريرها، فبعد أن كانت الجماعات المسلّحة تهدد بخطرها مطار حماه ومدينة محردة، تم تحرير العديد من المناطق أهمها خطّاب ومورك وباتت الجماعات محصورة في كفرزيتا واللطامنة كمعاقل أساسية مع قرى صغيرة أخرى.
بالطبع، حصلت بعض الإخفاقات في أكثر من جبهة وأهمها سيطرة داعش على مقر الفرقة 17 واللواء 93 ومطار الطبقة وانسحاب الجيش من معسكري الحامدية ووادي الضيف وما حصل في إدلب وجسر الشغور وأريحا وبصرى الشام واللواء 52.
السمة الأساسية لبعض الجبهات كانت إعادة تجميع القوات في خطوط دفاع مترابطة، وعدم الوقوع في فخ الحفاظ على الجغرافيا الواسعة للتمكن من القيام بالدفاع المنظم والانتقال مجددًا إلى الهجوم المضاد بطريقة القضم البطيء الذي يسبقه استنزاف للجماعات المسلّحة في عديدها وعتادها.
وفي المرحلة الأخيرة، كان واضحًا ما شهدناه في القلمون من انهيار وانحسار للجماعات المسلحة وما يجري حاليًا في الزبداني من عمليات سيشكل خاتمة العمليات الكبرى في القلمون لننتقل بعدها إلى معارك تفصيلية مع البؤر والجماعات المختبئة والتائهة في محيط الزبداني وفي ما تبقى لهذه الجماعات من أوكار في القلمون الشمالي.
إنّ التحدث عن تفاصيل معركة الزبداني بات أمرًا ليس بالمهم، لأنّنا شارفنا على نهاية المسار المرسوم للمعركة والمسألة مرتبطة بحسابات الجيش العربي السوري والمقاومة بما يتعلق بالتفاصيل الميدانية.
السؤال الهّام هو ماذا بعد الزبداني؟؟
بعد تحرير الزبداني ليس كما قبلها، فبعد تحرير يبرود كان امتعاض القادة الصهاينة تحديدًا واضحًا وعلنيًا، حيث قال رئيس شعبة العمليات في المخابرات الصهيونية يومها أنّ جهد سنتين ونصف من الإعداد والتدريب والتجهيز قد ذهب هدرًا، وهو ما سيتكرر بعد تحرير الزبداني بشكل أكبر لإدراك الصهاينة ومعهم باقي المخططين والداعمين أنّ خطّتهم الأهم قد اقتلعت من جذورها، وأنّ الأمل في إسقاط سورية بات ضعيفًا، وأنّ عليهم خوض المعركة من الأطراف بضغط أكبر، وهو ما يحاولون فعله في الجنوب السوري وفي الشمال دون جدوى عبر معارك عواصف الجنوب ومعارك تحرير حلب والضغط الكبير على تخوم سهل الغاب.
بعد تحرير الزبداني سيكون المجال الحيوي للدولة السورية أكثر تماسكًا وأمنًا من العاصمة حتى حمص وحماه وصولاً إلى الساحل، مع تثبيت للجبهات حاليًا في الجنوب والشمال وكذلك في الحسكة ودير الزور.
كما أنّ الجيش والمقاومة سيستطيعان بعد فترة قصيرة من تحرير الزبداني استخدام عديد بشري كبير يتواجد حاليًا في القلمون في جبهات أخرى، وخصوصًا الجبهات القريبة من دمشق والمجموعات المنتشرة في وادي بردى التي عليها أن تؤكد دخولها في المصالحة أو أن تلقى مصيرها كما حصل في أماكن أخرى.
بكل تأكيد، إنّ تحرير الزبداني سينقل الوضع من مرحلة الصمود إلى مرحلة تحقيق شروط النصر وهي مرحلة سيكون الانتقال فيها من نقلة إلى أخرى أسرع من أي وقت مضى لمجموعة من الأسباب، أهمها العامل المعنوي الذي ستعمل الجماعات المسلّحة ووسائل الإعلام الداعمة لها عليه من خلال الحرب الإعلامية والنفسية.
ختامًا، لا بد من القول أنّنا ما زلنا في قلب الحرب وأنّ تحرير الزبداني لن ينهي الحرب ولكنه سيغير في مسارها وشكلها وأنماطها.
*ضابط سابق (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية)