ما بين هاجس نووي ايران وفزاعة «داعش» تقود اميركا توازنات المنطقة الدقيقة، وتستثمرها، لخلق المزيد من الانقسامات والتفتيت، ورسم الجغرافيا السياسية وفق مصالحها النفطية، وتحقيق المزيد من صفقات السلاح، ولعل ذلك ما يبرر الرغبة الاميركية الجامحة بإطالة عمر هذا التنظيم الى أمد غير محدود فنراها تتحدث عن حرب طويلة معه لسنوات.كيف لا وبمجرد اجتياح «داعش» للموصل شمالي العراق وتهديدها للاردن ودول الخليج الفارسي، ابرمت 3 صفقات اسلحة اميركية مع كل من السعودية والامارات واكبرها مع قطر بـ11 مليار دولار وهي أكبر صفقات البنتاغون عام 2014.يضاف الى ذلك، ارتفاع الطلب على الاسلحة الاميركية والمعدات والأدوات الخاصة بحماية الحدود والقوات بسبب زيادة مشاركة جيوش الشرق الأوسط في محاربة التكفيريين. وهكذا شكلت «داعش» مشروعا استثماريا حربيا منتجا ادى الى انعاش انتاج ومبيعات واسواق الاسلحة الامريكية.
وبالطبع لا تنسى امريكا استرضاء حلفائها عبر توزيع جوائز ترضية عليهم، فتعطي هامشاً لبريطانيا للعب في الساحة الافريقية، وبأن يكون لها موطئ قدم في الخليج الفارسي من خلال توريد الاسلحة الى البحرين، كما تترك بعض الفتات لفرنسا «لبنان، المغرب، الصين، مالي، مصر، تسعى مع قطر والامارات»، التي احتلت المركز الخامس عالمياً في حجم مبيعات السلاح.لا سيما وانه بدا ان باريس لا تتعامل في الآونة الاخيرة مع الدول العربية كدولة بل كمافيا مختصة بتجارة السلاح، و«سمسار» هدفه تحقيق بعض الارباح، كما يحصل في لبنان من خلال ما اصطلح على تسميته بالهبة السعودية «صواريخ ميلان»، او من خلال الحراك والحملات الدبلوماسية التسويقية التي يقودها لوران فابيوس بنفسه لاقناع مصر والامارات وقطر بشراء طائرات «رافال»، وكسب مليارات الدولارات.
خلاصة الامر، شكل عام 2011 عاماً مفصلياً بالنسبة لتجارة الاسلحة الاميركية.
فقبل هذا التاريخ، هيمنت حالة التدهور الاقتصادي وسياسات التقشف المعتمدة والخفوض المطبقة في النفقات العسكرية، ما أدى الى تراجع مبيعات أكبر 100 مجموعة عالمية اميركية واوروبية لصنع الاسلحة، وذلك للمرة الاولى منذ نحو 20 عاماً، لكن اللافت ان ما اعقب عام 2011 من احداث كان كفيلاً بتبديل الصورة كاملة، وبنقل الاقتصاد الاميركي وصناعاتها الحربية من مرحلة الى أخرى، حتى وصلت مبيعاتها عام 2014 الى 34.2 مليار دولار، بعدما كانت 30 مليار دولار عام 2013، واللافت أيضاً ان حجم مبيعات الاسلحة في تزايد مضطرد، وان تأثير انخفاض أسعار النفط، بقي محدوداً على خطط الإنفاق العسكري، وكل ذلك يعود بشكل اساس الى دول الخليج الفارسي، التي واصلت شراء انظمة تسليحية بذريعة الخشية من الاتفاق النووي الايراني.
انطلاقاً مما تقدم، يتضح ان الادارة الاميركية تتلاعب بما يسمى «عقائد عسكرية» أو مبادئ استراتيجية لخدمة مبيعاتها الحربية والحفاظ على مصالحها الحيوية، ليس في الشرق فحسب بل في العالم اجمع وفق خططها الاستعمارية، وعقيدتها الراسخة «فرق تسد»، لإستنزاف ثروات الدول.