إن اكتشاف لقاح شامل وعالمي يقي من أنواع متعددة من سلاسل فيروسات الأنفلونزا ولعدة سنوات هو بمثابة حلم و اكتشاف طبي يشبه اكتشاف البنسلين من حيث الأهمية ذلك أنه سوف يؤدي الى انقاذ حياة العديد من مرضى النزلة الصدرية الحادة ( الغريب ) في كل عام
وقد قام العلماء فعلاً بالقيام بخطوات حاسمة لجعل هذا الحلم يبدو حقيقة
فقد نشرت مجموعتان مختلفتان من العلماء هذا الأسبوع دراستان حول لقاح عالمي يقي من الأنفلونزا لعدة سنوات في جرعة واحدة واستقبل علماء الأمراض الإنتانية هذا الإكتشاف على أنه اختراق كبير في عالم الطب وكل مايلزم هو وضعه قيد التطبيق على الإنسان وتجربة مدى سلامته وفعاليته قبل أن يطرح في الأسواق
تم في الدراسة الأولى تجربة هذا اللقاح على الفئران وفي الدراسة الثانية تمت تجربته على القرود وقد وجد كلا الفريقين أن هذا اللقاح قادر على زيادة المناعة ضد سلالة الأنفلونزا من نوع H1N1 المسؤولة عن أنفلونزا الخنازير ومن نوع H5N1 المسؤولة عن أنفلونزا الطيور مع العلم أن كل اللقاحات السابقة كانت قادرة على الحماية من سلسلة واحدة فقط من فيروسات الأنفلونزا
وبالرغم من أنه لاتزال تفصلنا سنوات عن بدء تطبيق هذا اللقاح وطرحه الآمن في الأسواق إلا أن العلماء يؤمنون بأن هذا الإنجاز العلمي سوف يتم في النهاية وسيكون المرء قادراً أخيراً على أخذ لقاح الأنفلونزا لمرة واحدة كل خمس أو عشر سنوات مثلاً.....
إن أول من طور لقاح الأنفلونزا هما العالمان الأمريكيان جون سالك وتوما فرنسيس في عام ١٩٣٨
ومبدأه يقوم على تحريض الجهاز المناعي على انتاج أضداد تقوم بالإلتصاق بنهاية الفيروس فيما يسمى الهيمغلوتينين وهو الجزء الذي يستخدمه الفيروس لمهاجمة الخلية والتسبب بحدوث المرض ومن هنا كان السبب الذي من أجله كان اللقاح يؤثر على نوع واحد فقط من الفيروسات لأن هذه النهايات تختلف في بنيتها بين سلسلة وأخرى
إن لقاح الأنفلونزا الذي نجده حالياً في الأسواق يحتوي عادة ثلاث أو أربع أنواع من اللقاحات التي تؤمن حماية ضد أنواع الفيروسات الأكثر شيوعاً التي يتوقعها العلماء لفصل الشتاءالقادم من كل عام وإن هذا اللقاح نفسه قد لايكون فعالاً للسنة المقبلة ذلك أن الفيروسات تغير من الهيمغلوتينين الخاص بها من عام لعام مما يستدعي إعادة تصنيع لقاح جديد سنوياً قبل موسم الشتاء
ولكن ماطرحه العلماء في هاتين الدراستين كان في جعل الأضداد تستقطب جسم الفيروس بدلاً من نهايته وهو الجزء من الفيروس الذي لايتغير سنوياً وهذا الإكتشاف يبدو حديثاً لأن وجود أضداد يفرزها الجسم لتهاجم جسم الفيروس أمر لم يتم اكتشافه سوى من فترة قريبة كما أن الإنسان مازال لايعرف تماماً كمية الأضداد التي قد يفرزها الجسم وفترة بقاءها فعالة في حمايته من الفيروس
هل سنصل إلى هدفنا المثالي وهو انتاج لقاح يعطي فعالية ضد جميع سلاسل الأنفلونزا مدى الحياة ؟
أم سيعود الفيروس لابتكار آليات جديدة من الدفاع يستطيع فيها تغيير حتى مستقبلاته الجسمية في سبيل البقاء
إن خبراء الأمراض الإنتانية جميعهم متفقون على أن هذا الإنجاز العلمي وإن كان لايبدو أنه سوف يكون في متناول أيديهم قريباً إلا أنه سوف يكون ثورة في عالم الطب في السنوات قريبة الأجل
د.سوسن فلوح اختصاصية بالأمراض الصدرية والربو والحساسية