يضيق به الزمان والمكان في لحظةٍ موحشةٍ تسرقه من اللاوعي إلى اللاوعي ، حتى يغدو جسداً يسير بتلك القوة الخفية بعد أن توقفت كل وظائفه البيولوجية....
منذ زمن بعيد لم يسمع صوت نبضات قلبه بسبب ضجيج السنوات العجاف التي إختصرت قوس قزحه الى الأحمر و الرمادي والأسود فقط, يرى طيفه في لحظة تأمل لعنوان الفيلم قبل أن يلج إلى القاعة و يتابع الأحداث, أحداث الحب في زمن الحرب و كأنها تحكي قصته مع الأيام. يرنو بلا شعوره إلى من يجلس بجانبه عندما هبت نسائم الجوري ، فيجد الطيف نفسه....
نظراتٌ بأمواجٍ هادئة من البحر الأزرق و ذهبٌ منسدلٌ على بيداءٍ لُجَينية و صوتٌ مِنَ الأعماقِ يناديه ....لا حياة مع اليأس و لا يأس مع الحياة, ينتهي العرض و يخرج كلٌ إلى سبيله, إلا هو و ذاك الطيف عند الباب تَسَمَّرا و كأنهما آلِهَتي الحب و الجمال ، في بلاطٍ إغريقي, يعجز الشمال و اليمين عن إختطاف أحدهما..... تتلاقى الأنامل في لحظة سرمدية لترسم ملحمة الحب الجامح في رحلة اللامنتهى ، فينتصر اليمين كاشفاً درب الياسمين, يرسم أسفارَ تعويذةٍ تبارك مجد العاشقين.
يُعنى الفن بالحقيقة ، وتهتم الأخلاق بالواجب ، أما الذوق فإنه يوصلنا إلى الفن و جماله من خلال الإهتمام بالبسيط و الهامشي على حساب الرئيسي و المركزي ....الفن و الجمال الذي يجعلك تبكي و تضحك لا حزناً و لا فرحاً....الفن والجمال الذي يجعلك تغرق في أعماق الموناليزا..... دع عنك ما كتبه ليوناردو دافينشي أسفل الصورة " سيدة تبتسم لأنها تخفي سراً عن حبيبها " دع عنك ذلك فالفن لا يحتاج لشرح .
منذ بدايتها إستطاعت السينما السورية أن تكون أيقونة الإنتاج بمزجها لعناصر الإبداع البصري و الإيقاعي من خلال مطابقتها للدال و المدلول لتوصل المشاهد إلى الشيئ ذاته و ليس إلى رمزه ، من خلال شحذ المخيلة و تنمية الوعي و تقديم الرسائل العميقة والبسيطة في آن واحد وصولاً إلى وجدان الذات الإنسانية وقد زاد في ذلك مسيرة السينما السورية خلال سنوات الحرب التي بدأت عام 2011 ، حيث واكبت طغيان الفرح و الألم و الحزن لوطنٍٍ لا ينبت إلا الرياحين ، فسطرت ملاحم فَنٍ لا تشوبه شائبة يُحسب لها كما يحسب الفتح للفاتحين .
في بحثنا هذا نسبر أعماق ما يحدث وراء الكواليس في المؤسسة العامة للسينما لنسلط الضوء على آليات العمل و الصعوبات و النجاحات التي واكبت مسيرة المؤسسة و على أولئك الجنود المجهولين الذين يقفون وراء هذا الإبداع الذي وصل صداه إلى أروقة المهرجانات العالمية ... دليلنا في ذلك الأعمال السينمائية المنتجة و التي باتت حاضرة في الأذهان و النفوس خصوصاً في زمن الحرب التي ألمت بالجمهورية العربية السورية مستهدفةً كل ما ينبض بالحياة.
تم إنشاء المؤسسة العامة للسينما في الجمهورية العربية السورية بموجب المرسوم التشريعي رقم 258عام 1963 و المعدل عام 1975 بهدف النهوض بالصناعة السينمائية و دعم الإنتاج السينمائي و توجيهه في خدمة الثقافة و العلم و القضايا التوعوية و القومية, و هي تتبع لوزارة الثقافة و لها شخصية إعتبارية و إستقلال إداري و مالي و مقرها في دمشق و يرأسها منذ عام2017 الأستاذ مراد شاهين الحاصل على بكالوريوس إدارة الإنتاج السينمائي و التلفزيوني من أكاديمية العلوم السينمائية والتلفزيونية في جمهورية التشيك .
المؤسسة العامة للسينما لها آلية عمل تنبثق من طبيعة إختصاصها في إنتاج الأعمال السينمائية ، حيث يتم إعداد الميزانية التقديرية في الشهر السابع من كل عام إلى الشهر السابع من العام اللاحق بموجب الخطط الواردة من المديريات الموجودة في المؤسسة .
مديرية الإنتاج تحدد عدد الأفلام التي تريد إنتاجها سواءً الأفلام القصيرة أو الطويلة .
وبعد وضع و تقدير التكاليف لجميع المديريات و إعداد الموازنة يتم مناقشتها و عرضها على مجلس الإدارة ثم يوقع عليها المدير العام و المدير المالي ووزير الثقافة ليتم عرضها للمناقشة في مديرية شؤون المؤسسات في وزارة المالية حسب الميزانية المقررة حصراً لعدد الأفلام الموافق عليها .
يلي ذلك مصادقة مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما ووزير الثقافة على تقرير المناقشة الصادر عن مديرية شؤون المؤسسات في وزارة المالية ثم ترسل إلى وزارة المالية لإعداد القرار من قبل وزير المالية بإعتماد هذه الموازنة و بنودها بحيث تصدر مع الموازنة العامة للدولة .
بالرغم من الطابع الثقافي غير الربحي الذي تمثله المؤسسة العامة للسينما إلا أن ذلك لا يلغي تمثيلها للجانب الإقتصادي حيث أن النفقات غالباً تطغى على الأرباح وفي حال كانت الأرباح أعلى من النفقات فإنها تحتسب من ميزانية العام اللاحق للمساهمة في دعم خطة الإنتاج الجديدة و التخفيف من عملية إستجرار النفقات من خزينة الدولة.
الجهاز المركزي للرقابة المالية في كل عام يراجع أعمال السنة السابقة كاملةً من خلال تدقيق كل مصاريف و تكاليف و إيرادات العام خلال فترة زمنية تمتد من شهرين إلى ستة أشهر ، وفي حال وجود أي ملاحظات يتم توجيه كتاب إلى المدير العام للمؤسسة ليتم دراستها و الإجابة عليها لتصويب الأمور في نصابها الصحيح ، وفي حال وجود أي خلل غير قانوني و غير مُبرر تُرفع التوصيات و التقارير من قبل لجنة الجهاز المركزي للرقابة المالية إلى المحامي العام لإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة .
أما عن آلية إنتاج الفيلم السينمائي المتبعة في المؤسسة العامة للسينما:
بعد دراسة النص و السيناريو المُقدم و تحديد المُخرج المشرف على العمل يصدر أمر إداري للبدئ بالمرحلة الأولى و هي مرحلة الإستطلاع حيث يقوم فريق إستطلاع أماكن التصوير المؤلف عادةً من 15 شخص وهم الفنيون و المخرج و مدير الإنتاج بالكشف و تحديد نقاط و أماكن العمل حسب القرارات الناظمة لذلك خلال فترة 25 يوماً .
من فوائد عملية الإستطلاع أنها تحدد ما إذا كان الفيلم ضمن الميزانية المعتمدة أم لا. وهي لا تلزم المؤسسة بإنتاج الفيلم علماً أنه لم يسبق أن أوقفت عملية الإستطلاع إنتاج أي فيلم من قبل بسبب توافر الدعم المالي الذي تقدمه الدولة ممثلةً بوزارة المالية و الثقافة .
بعد إنتهاء عملية الإستطلاع تصدر ميزانية تقديرية لكل مراحل الفيلم يقوم بإعدادها مدير الإنتاج بالتعاون مع رؤية المخرج يتم بعدها المصادقة على هذه الميزانية من قبل مجلس الإدارة في المؤسسة ثم يحال الأمر إلى مديرية الشؤون المالية التي تقوم بمنح سُلَف إتمام كل مرحلة على حِدَى حسب إنجاز و تقدم العمل .
المرحلة الثانية هي مرحلة التحضير و التصوير التي تمتد إلى 70 يوماً للتصوير و 30 يوماً للعمليات الفنية
تكلفة الفيلم تعتبر زهيدةً مقارنةً مع ما يتم إنتاجه من أعمال خارج القطر بسبب إعتماد المؤسسة على كوادرها و معداتها الخاصة ، وهو ما ساعد في المحافظة على المستوى الجيد لإنتاج الأعمال السينمائية خلال فترة الحرب .
عملية إنتاج الفيلم أيضاً مقيدة بعناصر قانونية تمنع أي خلل أو تقصير في العمل و ذلك من خلال قوائم التفتيش التي تتابع و تطلع على الفواتير و تصدر قراراتها علماً أن مسؤول الانتاج ملزم بتقديم العقود و الفواتير خلال شهر من إنتهاء العملية تجنباً لتعرضه لغرامة التأخير التي تبلغ 9% .
أما عن رؤية المؤسسة العامة للسينما لعملية تسويق و نشر المنتج :
فإن عدم وجود صالات سينمائية متطورة تساهم في نشر الإنتاج كان له أثراً سلبياً على الدخل الربحي بسبب الأعمال الإرهابية التي أثرت على صالات حمص و طرطوس و اللاذقية و جعلتها خارج الخدمة تنتظر إعادة الترميم و التأهيل بمبالغ مالية كبيرة ، ومن جهة أخرى فإن صالتي الكندي في دمشق و دُمَر لا تغطيان العرض بشكل كافي و عدم وجود صالات عرض في الأرياف قبل إندلاع الحرب ساهم في إضمحلال نشر الوعي الثقافي السينمائي وهو ما أثر على نمطية التفكير و التعاطي مع سلبيات الإرهاب و الحرب .
أما على صعيد التسويق الخارجي فإن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا حالت دون ذلك بدليل أن المنتج الذي يتم ترويجه عن طريق التوزيع الخاص يلاقي رواجاً و يدخل المهرجانات الدولية ، علماً أن الإنتاج المشترك مع الشركات الخاصة هو من أساسيات المؤسسة العامة للسينما وذلك لتشجيع القطاع الخاص الذي يمتلك مرونة إختراق الأسواق و الترويج الخارجي .
قُصارى القول يفيد بأن المؤسسة العامة للسينما كانت و مازالت تنحو صوب إيصال العمل السينمائي السوري بأفكاره الهادفة و التوعوية نحو العالمية من خلال ما قدمته و تقدمه حتى في زمن الحرب التي طالت الكثير من مفاصل الحياة في سوريا بالرغم من الهجوم الذي تتعرض له بين الفينة و الأخرى من جهات لا هم لها إلا النقد غير البناء و الذي لا يستند إلى الواقع و الوقائع ، بدليل أن الأفلام التالي ذكرها و المشاريع المقدمة من المؤسسة العامة للسينما تمت بنجاح خلال هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها سوريا ..وهو ما ترك أثراً إيجابياً ساهم في توضيح الحقائق و قلب المعطيات نحو ما ينشده الإنسان و الإنسانية على كافة الأصعدة الداخلية و الخارجية .
نشاطات المؤسسة العامة للسينما من 2018 إلى 2019
1_ مشروع " يلا سينما " بالتعاون مع الهيئة العامة لمدارس أبناء الشهداء الذي يهدف إلى تدريب الطلاب أكاديمياً على إنتاج مشاريع سينمائية .
2_ مشروع " سينما الطفل " يشمل المحافظات و أريافها لرؤية آلية صقل و سبر المواهب و تعليم الأطفال آليات العمل السينمائي المتكامل في فترة العطلة الصيفية .
3_ مشروع دعم سينما الشباب الذي إنطلق عام 2012 وهو يمنح ما يقارب 30 فرصة إخراجية للشباب الموهوبين وفق شروط معينة يلتزم بها المخرج بما يتناسب مع النظام الداخلي للمشروع .
4_ دبلوم العلوم السينمائية و فنونها الذي تم إطلاقه عام 2015 بالتعاون مع المركز العربي للتدريب الإذاعي و التلفزيوني ، وهو يتضمن محاضرات في السينما على إمتداد موسم دراسي كامل لمدة ثمانية أشهر.
5_ المشاريع المقامة مع وزارة التربية القائمة على إنجاز أفلام توجيهية قصيرة من 3_5 دقائق تصلح لأن تكون مادة دراسية سينمائية بالإضافة إلى تجهيز قاعات بمعدات عرض سينمائية رقمية في بعض مدارس القطر .
6_ مشروع " سينماتيك" و هو بمثابة مكتبة وطنية و عالمية للأفلام السينمائية تعرض الأفلام القديمة و الحديثة العربية و الأجنبية و المعالجة بتقنيات حديثة و تتميز بخصوصية المُشاهد بحيث يمكن لكل فرد أن يختار الفيلم الذي يريد مشاهدته و يتابعه بشكل منفرد وفق التقنيات التي تؤمنها الإدارة المشرفة على العمل .
/جوائز المؤسسة العامة للسينما من عام 2011 إلى 2019/
إنتاج عام 2012 :
_ فيلم "مريم " للمخرج باسل الخطيب_ أربع جوائز في / المغرب و عُمان و الجزائر و الصين / .
إنتاج عام 2013 :_
_ فيلم قصير " توتر عالي " للمخرج المهند كلثوم_ أربع جوائز/ العراق/.
_ فيلم " بإنتظار الخريف" للمخرج جود سعيد_ جائزتين في / القاهرة و الجزائر /.
_ فيلم " الرابعة بتوقيت الفردوس" للمخرج محمد عبد العزيز _ جائزة في / مصر/.
_ فيلم " الأم " للمخرج باسل الخطيب _ جائزتين/ كوريا الديموقراطية و الجزائر/ .
إنتاج عام 2014 :_
_ فيلم قصير " طابة أمل" للمخرج ميار النوري_ جائزة واحدة/ أمريكا/.
_ فيلم" أنا و أنت و أمي و أبي" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد _ جائزة واحدة/ لبنان/.
_ فيلم " سوريون" للمخرج باسل الخطيب_ ثلاث جوائز/لبنانو إيران و مصر/.
_ فيلم" حرائق" للمخرج محمد عبد العزيز_ جائزة واحدة/مصر/.
إنتاج عام 2015 :_
_ فيلم " فانية و تتبدد" للمخرج نجدت أنزور _ جائزتين/إيران و مصر /.
_ فيلم " الأب "للمخرج باسل الخطيب _ أربع جوائز/ الجزائر و الهند و مصر/.
إنتاج عام 2016 :_
_ فيلم قصير " كبسة زر" للمخرج أيهم عرسان _ جائزتين / العراق/.
_ فيلم قصير " على سطح دمشق" للمخرج المهند كلثوم_ عشر جوائز / المغرب و موريتانيا و سوريا و السودان و لبنان و العراق و تونس /.
_ فيلم" ماورد" للمخرج أحمد إبراهيم أحمد _ جائزة واحدة/ مصر/.
_ فيلم" درب السما" للمخرج جود سعيد _ ثلاث جوائز/ مصر/.
إنتاج عام 2017 :_
_ فيلم قصير " صمت الألوان " للمخرجة كوثر معراوي_ ثلاث جوائز / العراق/.
_ فيلم قصير "المخاض/ للمخرج السدير مسعود _ جائزتين / الجزائر و الهند /.
_ فيلم "حرائق " للمخرج محمد عبد العزيز _ثلاث جوائز/ روتردام و القاهرة و هنغاريا /.
_ فيلم " الإعتراف " للمخرج باسل الخطيب _ جائزتين/ مصر/ .
إنتاج عام 2018 :_
_ فيلم قصير " أفراح سوداء" للمخرجة كوثر معراوي _ جائزة واحدة/ العراق/.
_ فيلم " عزف منفرد " للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد _ جائزة واحدة / المغرب/ .
_ فيلم " نجمة الصبح" للمخرج جود سعيد _ جائزة واحدة / المغرب/.
إنتاج عام 2019 :_
_ فيلم قصير " جوري" للمخرج يزن أنزور _ جائزتين/ المغرب/.
_ فيلم " أمينة " للمخرج أيمن زيدان_ جائزتين/ إيران و المغرب/ .
_ فيلم " رجل وثلاثة أيام " للمخرج جود سعيد _ جائزة واحدة / جينيف/.
Ammar Awad