هي العِبَرُ و في آثارها العَجَب ، قِصصاً ترويها لتزين سماءَ الدهر بالشُهُب, وقوفاً و شموخاً كالباسِقاتِ بين الأطلال، لا رُكوعاً ولا سُجوداً يَخُطُ تاريخها الأبطال....
تسبق بُنُودُهم سُرعة الطَّرفِ مِنَ الأغمادِ تُلَبي النِداء لتروي كَثِيبَ رِمالِها بِطُهرِ الدماء....بِذاكَ الضوء القادم من غَسَقِ الدُجَى ، يُنيرُ و يَهجو دَربَهُم و ينثُرَ عِطرَ الخلودِ بِشوقٍ يُعانِقُ السماء.
أبناءُ الطَوقِ إلى العَجماءِ بِحَجمِ الوُجودِ أَتَوا ، يُبَلسِمونَ جِراحَها عَروس البيداء. وحدَهُ الدَّهرُ صَالَ فيها صَولَة مُغَضَّبٍ، نَصّراً من رَوحِ الزَّبَاءِ وروح الإِباء, أرضُ المُقاوِمينَ قالتها ماري وآرامُ أثنى بأن قَهرَها إنتحار, ليسَ بِغَيرها مُستَغاث , فهي كإسمها للغُزاةِ دَمار....
مَنْ قالَ أنَّ وَهَبُ اللاتِ وحيد, من قال أن تاريخها سِجال, كُلُهم كانوا أُذَيّنَةَ, فأحفادُ الحُرَّةِ أشرقت شمسهم، تصنع من الحالِ مُحال. دم النخل فنى وبدد الغزاة ورد عنها القضاء اسقط احلام مملكة الرمال. مهلاً مهلاً يا أورليانوس فتَدمُرَ ليست ما مَلَكَت أَيمانُكم ، حتى يأتي في حضرة الغياب المارقون ، والموت القادم إلى الشرق يَغدو سَراباً تحت نِعالِ الكواسِرِ و الجوارِح و الحور العين, فعروس الصحراء سَقفُ العالم مجدها و القِلاع, وحدها تَعرِفُ كيف تكون نهاية رَجُلٍ شُجاع.
ها هُوَ بَعّلٌ يُذَّكِرُ الغازّينَ بِطَعمِ الإندِحار, ونَشوَةُ النَصرِ مَوسومٌة على كُلِ جِدار, و قَوسُ نَصرِه شاهِدً أن لا سعادة لِمَن يشهدُ خرابَ تَدمُرَ بِتَلمودِ تَوراةٍ كان ذلكَ أو أَسّفار.يَضِّجُ الزَمانُ و يَضٍيقُ المكان ، بتلك الروح الهائِمة شَوقاً لِعاشِقِ زنوبيا و سَيدُ القرار, فيبقى خالِداً...باسِمَ الثَغرِ على مَذّبَحِ الحُب و قد طالَ بِهِ الإنتظار.عَجِّل بِسَيْفِكَ يا قاتِلي ، و أَرِق دَمَ النَخلِ على ذاكَ الصَرحِ بِكُلِ إصرار, اليوم ألقى الحبيبة و اُعَمِدُ ثَراها بِدَّمي, وأغدو في سبيلها شهيداً و سيد الانتصار.
تَرسُمُ ديانا كمال الدين تلك الطلاسم الأثيرية ، تَلِجُ إلى القلوب و الآذان من كل مكان ، على وقعِ رائحة بُخورِ موسيقا إبن الرافدين رعد خلف التي يستحضر بها ملوك الإنس و الجان, تَمُرُ الثواني و الدقائق و الجميع في حالة ذهولٍ وهذيان, كيف لا و قد ألقى الساحر نجدت أنزور بِتَعويذَتِه ، ليصنع رَصَدّاً تَدّمُرِياً يُكَبِلُ بِهِ مُلوكَ كِسرى والرومان, فهذا ليس سِحرأسود بِقَدرِ ما هو أبيض، جعل أنزور يَعقِدُ على أَلسِنَةِ أباطِرَةِ الطِّليان لِيُعلِنوا إستِضافَتِهِم لهذه الحَضّرَة مُسَخِرينَ لها من كل حَدبٍ و صَوبٍ تَرّجُمان .
قبل يومين كان لنا شرف حضور العرض الخاص بالاعلاميين ولكنا آثرنا نشر مقالنا هذا عن رائعة نجدت أنزور دم النخل الى ما بعد الافتتاح الرسمي الذي تم بحضور الدكتور بشار الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية وعائلته, ليتسنى لنا سبر مختلف الاراء.
دَمُ النَّخل......
فيلم سينمائي روائي طويل يُسَلِطُ الضوء على الحقيقة الساطعة لأهداف الجماعات الإرهابية التي عاثت في سوريا كل أشكال القتل و التخريب و التدمير ، و بنفس الوقت يكشف جبروت و قدرة و قوة و صلابة الجندي السوري في دفاعه عن أرضه و تاريخه و بذله لروحه فِداءً لذلك .
محور الفيلم يدور حول قصة عالم الآثار السوري الشهيد خالد الأسعد الذي كان مديراً وعلى مدى أربعين عاماً لآثارِ مدينة تدمر و عالماً بِبواطنها و أسرارها ، و له شهرةً واسعة على مستوى العالم, حيث أَبَى الهُروب من المدينة ، و رفض مُساوَمة الإرهابيين الذين أذاقوه شتى أنواع العذاب ليكشف عن أماكن القِطَع الأثرية الصغيرة و الذهب المدفون الذي زَعَموا وجوده .
خالد الأسعد الثمانيني ، قضى نَحّبَهُ بضرب العُنُقِ مصلوبا على أحد أعمِدَةِ تَدّمُر ، حيث قتلته يد الغدر الداعشية, يوم 18/ آب / 2015....أستقبل الموت ببسالة قَلَّ نظيرها و هو رافضا الانحناء للسياف مَثَلَه الأعلى في ذلك نَخيلُ تدمر الذي لم ينحني يوماً, لم يكن خالد الأسعد وحده في تلك الحادثة ، بل رافقه إلى طريق المجد طَيفُ زَنوبيا الذي كان يتنقل بينه و بين الجنود الذين نالوا شرف الشهادة فداءً لِتَدمُرَ و تاريخها
إستطاع المخرج العالمي نجدت أنزور بإِبداعِهِ السحري في هذا العمل أن يُسَلِطَ إسقاطاته على حَلِ رموز تدمر التاريخية ليكشف للعالم أجمع أن الحق يعلو و لا يُعلى عليه و أن سوريا هي بلد الحضارات و قاهرة الغُزاة, كل ذلك تم من خلال نموذج جديد في عالم الفن السابع إعتمده المخرج و هو ينقل المُشاهِد من صناعة الإنتقام إلى صناعة و نشر مفهوم التسامح و السلام الذي بِهِ وحده تسمو الأُمَم إلى معالي المجد و الخلود.
المؤتمر الصحفي الذي إنعقد بعد عرض الفيلم الخاص بالاعلاميين, و ما دار فيه من نقاش ، كان خير دليل على مدى ثِقَل العمل، وذلك من خِلال ضياع بوصلة أغلب الإعلاميين و النُقاد الذين تابعوا العرض ....و عَجِزَ أغلبهم بسبب قلة الخبرة عن قراءة الصورة و ما يرافقها من تحليل الأثر الميتافيزيقي الذي أبدع أنزور في خلقه ....
فالبعض إستغرب نهاية الفيلم المختلفة عن الواقع، مستندين بذلك على الحالة النَمَطية التي تعتمد على أفلام الأكشن و إنتصار البطل الأسطورة في نهاية الفيلم .
البعض الآخر إنتقد الموسيقى التصويرية دون أي إلمام بأن المُباشَرَة في الموسيقى التصويرية لأي عمل سينمائي تعتبر من المُحَرَّمات فنياً وتقنياً. بِدَورِهِ أحد الحضوركانَ له مُداخلة لم تبتعد عن المُداخلات السياسية التي أتت في غير محلها ، حيث أتهم سيناريو الفيلم بالسذاجة والسطحية التي لا تعكس الواقع الدموي الأليم والتي تبعده عن المشاركات الخارجية و تؤطره ضمن الإنتشار الداخلي ، لا سيما في تطرقه لسياسة العفو و المُصالحات التي جسدها أبطال الفيلم في بعض المشاهد ....
هذه المُداخَلَة و غيرها إلا ما نَدَر, أثبتت أن الجهل في تقيبم العمل السينمائي سواءً كان روائي أو وثائقي يعتبر طبيعيا عند من هم ليسوا من أهل الإختصاص ، ومن يمتهنون النَقد لِمُجَّرَدِ النقد ....
المخرج نجدت أنزور و الكاتبة ديانا كمال الدين دافعا عن سياسة و أهداف الفيلم بطريقة منهجية, أرضت من يُجيدون قراءة ما بين السطور على قِلَتِهم, ذلك أن الحالة التطورية للفن السابع في علاج قضايا الحروب و الإرهاب باتت في مرحلة لا يسعها إلا الإرتقاء في مُخاطبة ذوي العقول الراجحة الذين لا يؤمنون إلا برسالة المحبة و السلام و التآخي.
مدير المؤسسة العامة للسينما الأستاذ مراد شاهين أفادَ بأهمية هذا العمل الذي يعكس الإرث و التاريخ الحضاري لمدينة تدمر و التضحيات التي قُدِمَت فِداءً للحفاظ على هذه المدينة، وذلك من خلال عَرضٍ سينمائي جديد بكل حيثياته ساهم في كشف الوجه الخفي و الحقيقي للإرهاب و مدى إرتباطه الوثيق بالصهيونية العالمية التي إستهدفت ليس البشر و الشجر فحسب بل الحَجَر الذي يمثل برمزيته تاريخ اُمَةٍ بأسرها كان لها وما زال صولةً و جولة في رسم معالم الحضارة البشرية ألا وهي الحضارة السورية بِكُلِ رُموزِها البشرية وعلى رأسهم الباحث الشهيد خالد الأسعد .
بطاقة فيلم دم النخل ........
فيلم روائي طويل من إنتاج المؤسسة العامة للسينما و رعاية وزارة الثقافة .
العرض الأول للفيلم ، كان مخصص للإعلاميين في الساعة السادسة مساء يوم الإثنين 9 / أيلول / 2019 في دار الأسد للثقافة و الفنون , بينما تم الافتتاح الرسمي يوم 11 أيلول
البطاقة الفنية لفيلم دم النخل:
سيناريو ديانا كمال الدين
موسيقى تصويرية: الموسيقار العراقي رعد خَلَف
الإخراج: نجدت اسماعيل أنزور
البطولة : عمار علي
لُجين إسماعيل
محمد فلفلة ( أول ظهور سينمائي له _ قام
بتجسيد دور الشهيد خالد الأسعد بسبب الشبه
الكبير بينهما ) .
محمود خليلي
مصطفى سعد الدين
ختاما نقول ان مختلف الاراء اجمعت على نجاح الفيلم نجاحا باهرا, هذه الاراء التي تم سبرها بعد افتتاح العرض الرسمي للفيلم.... مبروك نجدت اسماعيل انزور وكل فريق العمل والمؤسسة العامة للسينما