أسقط النظام السعودي تاريخ المنطقة وحقوق شعوبها من حساباته بشكل علني هذه المرة، عندما لم يعد يرى في «الكيان الصهيوني» عدواً أو محتلاً، وعليه بات يبدو تملص الرياض من بوصلة القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة عموماً واضحاً واعتباره أنها «عهد قديم»، مع فتح عهد بديل من الشراكة ووحدة الأهداف بينه وبين كيان يريد عونه في العدوان على بلدان عربية يريدها الاحتلال «الإسرائيلي» مدمرة وضعيفة.
ما كان تاريخاً وما كان بعداً عربياً بين الشام والحجاز، أصبح ثقيلاً على النظام السعودي، ولم يردعه أن يضع اليد بيد الصهاينة، وأن يحفر الخندق معهم للحرب على سورية.
رسالة أمنية كشفت منذ أيام ووُصفت بـ «المهمة»، تضمّنت تفاصيل زيارة سرية قام بها وزير خارجية النظام السعودي عادل الجبير إلى «إسرائيل» برفقة رئيس جهاز الاستخبارات خالد الحميدان، وبدا أن الزيارة لم تكن في سياق التطبيع، الذي يبدو أنه بات من الكلام المهترئ أمام أهداف الزيارة التي كشفتها الرسالة.
كل ما تكشف يؤكد أمر عمليات سعودي ـ إسرائيلي هو الأخطر باتجاه سورية ولبنان عبر طلب الجبير من «إسرائيل » تدخُّلاً عسكرياً مباشراً في الجنوب السوري حال البدء بما يسمى «الغزو البري».
الرسالة جاءت بعد ما كشفت صحيفة «فايننشال تايمز» الأمريكية الأسبوع الماضي أن الرياض بصدد تنفيذ «خطة عسكرية» تفضي إلى «عملية برية» انطلاقاً من الجنوب السوري بالتعاون مع تركيا، وقد أُلحقت هذه الخطة بتقرير استخباراتي فرنسي كشف عنه صحفي في موقع «ميديا بارت» الفرنسي توماس كانتالوب، مفاده أنه في حال ترجمت تركيا والسعودية تهديداتهما بالتدخّل العسكري في سورية، فإن دمشق وحلفاءها جهزوا مفاجآت عسكرية «من العيار الثقيل»، ستُحدث زلزالاً في أنقرة والرياض، كما في مستوطنة تل أبيب!
مابعد الزيارة ومابعد أهدافها، وفيما الجهود تحشد لوقف الأعمال القتالية في سورية، يبدو النظام السعودي يحفر بالتوازي خندق الشراكة مع «إسرائيل» وخندقاً ليعزز تثبيت مكبرات الصوت علّه يخرج من مآزقه التي تتكشف له تباعاً، وتبدو مناورات «رعد الشمال» أنها دفعت الرياض للإحساس بما تفقد من قوة، ستمضي المناورات، وبعدها ربما على النظام السعودي أن يجهد في تبرير زيارة وزير خارجيته إلى مستوطنة «تل أبيب» ليس أمام الشعوب العربية التي تحفظ رائحته وشكله، بل أمام شعب المملكة الذي يعنيه تاريخ المنطقة وحقوق شعوبها، ويريد ما كان تاريخاً وما كان بعـداً عربياً بين الشام والحجاز، لأن حبل الشعوب لا يقطع.