الشرق الأوسط يهم الولايات المتحدة الأمريكية أقل مما كان عليه قبل 20 عامًا، لذا ينبغي أن تحصل هذه المنطقة على إهتمام وموارد أقل. وخلصوا إلى أن التدخل الأمريكي المكثف في الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين كان خطئًا فادحًا يجب تصحيحه.
ونظرًا لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعد حالياً من أكبر منتجى النفط في العالم، فقد انخفض أمن الطاقة كمحرك للسياسة الأمريكية تجاه دول الشرق الأوسط. لكن لا يزال لواشنطن مصلحة في وجود سوق نفط عالمي مستقر، بالنظر إلى إعتماد حلفائها على الطاقة الخليجية وأمن الدول المنتجة. في المقابل تقلص وجود القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط كدلالة علي انسحابها بالفعل من المنطقة. فيوجد اليوم 35000 جندي أمريكي فقط في المنطقة بأسرها، وهو جزء صغير من حوالي 500000 جندي أرسلهم الرئيس الأمريكي "جورج بوش" الأب إلى الخليج في عام 1991 أو ما يقرب من 285000 جندي أرسلهم الرئيس الأمريكي "جورج دبليو بوش" إلى الشرق الأوسط في عام 2003.
أن إحتمال نشوب صراع على دولة في الشرق الأوسط أصبح اليوم أعلى منه في أي وقت خلال العقدين الأخيرين، ما يستوجب التدخل الأمريكي بصورة أكبر، فهجمات إسرائيل على الوجود الإيراني في سوريا، على سبيل المثال، هي علامات مشؤومة على حرب محتملة بين إسرائيل وإيران. وفي حالة وجود صراع بين حزب الله وإسرائيل، فهناك فرصة كبيرة لأن تمدد تل أبيب إنتقامها خارج لبنان ليشمل مناطق أخري في الشرق الأوسط.
الشرق الأوسط لا يقل أهمية بالنسبة للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية عن الصين وروسيا، المنافسين من القوى العظمى الذين تتصادم رؤيتهم للنظام الدولي بشكل مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية والذين تمثل جيوشهم تحديًا خطيرًا للقوة الأمريكية. فإذا لم تتمكن واشنطن من التنافس بشكل فعال مع الصين وروسيا للدفاع عن الأمن والنظام الإقليميين في آسيا وأوروبا، فإن قدرتها على مواجهة نفوذها في الشرق الأوسط لن يعوض هذا الفشل, لكن أن الحجة السابقة بأن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تحول بعض الموارد التي تنفقها حاليًا في الشرق الأوسط بإتجاه آسيا تفشل في تفسير حقيقة أن المنطقة كانت دائمًا مسرحًا كبيراً لمنافسة القوى العظمى، وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن واشنطن يمكن أن تصر على أن الصين وروسيا تتنافسان معها في آسيا وأوروبا فقط، لأنها بالتأكيد ستتجه للشرق الأوسط, كما لا يمكن للمرء أن يفترض أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون قادرة على إعادة فرض سيطرتها على المنطقة بسهولة بعد انسحابها. فسيكون من الصعب إستعادة الوصول الفعلي إلى الموانئ والقواعد والمطارات المهجورة، واستعادة ثقة شركاء واشنطن من جديد إذا خرجت من هذه المنطقة.
يدعم كارلين وويتس وجهة النظر القائلة بأن ميل الولايات المتحدة إلى التغلب على الحلفاء من الشرق الأوسط خلق خطرًا واضحًا عليها، مما دفعها إلى التصرف بطرق عدائية وإتخاذ قرارات غير عقلانية تخص تلك المنطقة، ما تسبب في دخولها في أزمات أضرت بمصالحها, وعليه وفقاً لكارلين وويتس، كل العلاقات الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط تستحق الإهتمام الشديد، ومن هذا تبرز شراكة واشنطن مع كيان الاحتلال الاسرائيلي, باعتباره أكثر نفعًا متبادلًا وأكثر جذورًا في الدعم العام والسياسي من أي دولة أخرى لديها في المنطقة. ويختلفان بشدة مع حجة لوستيك بأن إسرائيل هي أكثر شركاء الإدارة الأمريكية زعزعةً للاستقرار وأقلها فائدة.
تُظهر استطلاعات الرأي الأمريكية أن ثلاثة أرباع الأميركيين من مختلف الأطياف السياسية ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها رصيدًا استراتيجيًا، وأن التعاون الدفاعي حقق فوائد مثل القفزات النوعية في الدفاع الصاروخي، ولكن هذا لا يعني وفقا لكارلين وويتس أن تصرفات إسرائيل لا تستحق التدقيق من واشنطن، مثلها مثل شركاء واشنطن الآخرين, وخلافًا لهذا المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، والحماية السياسية والدبلوماسية التي توفرها لتلك البلد، تجاوزت إلى حد بعيد ما قدمته الولايات المتحدة للدول العربية في الشرق الأوسط؛ حيث قدمت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 134 مليار دولار كمساعدات اقتصادية وعسكرية مباشرة إلى إسرائيل، وتعهدت مؤخرًا بتسليم 38 مليار دولار أخرى على مدى العقد المقبل. واستخدمت واشنطن حق النقض 41 مرة ضد قرارات مجلس الأمن الدولي الذي ينتقد إسرائيل، أي ما يمثل 77 % من حق النقض من جميع قضايا مجلس الأمن التي صوتت عليها الولايات المتحدة الأمريكية.
فضلاً عن هذا، شجعت هذه السياسات الحكومات الإسرائيلية على الانخراط في سلوك غير مرغوب فيه في قضايا عدة، والتى تشمل عواقب الحصانة التي تدور حولها الإدارات الأمريكية المتعاقبة حول الحكومات الإسرائيلية، الموقف النووي الإسرائيلي المتحدي، وسياساتها الوحشية والعنيفة تجاه مليونين من سكان قطاع غزة، ورفضها التفاوض بشكل بناء مع الفلسطينيين أو الرد على مبادرات السلام العربية.
الولايات المتحدة الأمريكية كثيرا ما تستحضر القيم الديمقراطية لتبرير علاقتها الخاصة بإسرائيل، لكنها نادراً ما تطبقها. لأنه من غير المرجح أن يتمكن الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" من التغلب على السياسة الداخلية المتمردة للولايات المتحدة الأمريكية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
واشنطن عليها القيام بذلك بالتنسيق مع الحلفاء الإقليميين، ولذلك فينصحا الحكومة الأمريكية بالتخلي عن سياسة وزير الخارجية "مايك بومبو" بممارسة أقصى الضغوط على إيران لصالح العودة إلى الصفقة النووية، غير أن ساتلوف ولوستيك يوضحان أن مثل هذه النصيحة تتعامل مع القضية كما لو كان من الممكن معالجتها بشكل مستقل عن الضغط الذي تمارسه تل أبيب واللوبي الإسرائيلي على السياسيين وصناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية لمنع الإتفاق واسقاطه بعد التوقيع عليه، ثم تبني إستراتيجية شاملة لتغيير النظام داخل إيران.
في الواقع، هناك عقبة رئيسية في رأي ساتلوف ولوستيك أمام التعامل الشامل مع التهديد النووي الإيراني، وهي أن القيام بذلك يعني في نهاية المطاف تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية، وهو إقتراح قدمته مصر، إيران والمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى بالفعل، ولكن هذا سيتطلب من إسرائيل الاعتراف بترسانتها النووية الكبيرة وتفكيكها، وهو أمر رفضت الولايات المتحدة الأمريكية تأييده.