سورية كانت تدرك دائماً أن روسيا سوف لن تقبل بالتخلي عن مكانتها كدولة عظمى، وهو ما لا تريده لها الولايات المتحدة الامريكية والعدو الصهيوني وكانت تراهن أن ذلك سوف يشكل الأساس لعودة العلاقات لتكون أقوى مما كانت عليه في السابق، ذلك أن سورية تشكل قوة هامة في منطقة الشرق الأوسط التي كانت ولم تزل البوابة الأساسية، بسبب أهميتها الإستراتيجية، التي تحتاج إليها موسكو لاستعادة مكانتها الدولية ومواجهة محاولات تقويض استقرارها وأمنها القومي، فخير وسيلة للدفاع هي الهجوم.
في هذا السياق يمكن القول أن توقيت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، وهي الأولى له، إنما يأتي في سياق هذه التطورات والمعطيات، ولهذا فهي اكتسبت أهمية كبيرة قبل أن تبدأ وشكلت عنوانا للحملة الصهيونية بهدف إفشالها ومحاولة الحيلولة دون حصول تحسن في العلاقات الروسية السورية للاعتبارات التي ذكرناها آنفاً.ولهذا يمكن القول أن توقيت زيارة الرئيس الأسد لموسكو إنما جاء ليلاقي هذا التحول الهام في السياسة الروسية الذي كانت سورية ترقب حصوله المؤكد.
لم يكتفِ الرئيس الأسد بذلك، بل نُقل عنه أن بلاده على استعداد "للتعاون مع روسيا في كل ما من شأنه أن يعزز أمنها". موقف يتراوح وصفه بين المبادرة والجرأة أو المغامرة والرهان الصعب الذي يقترب من الأماني. الرهان الصعب يأتي من افتراض أن دمشق تحاول الاستفادة من الامتعاض الروسي من الموقف الأميركي المناوئ للتحرك الروسي ضد جورجيا، ومن موقف العدو الاسرائيلي الداعم عسكريا، إمدادا وتدريبا، لجورجيا. لكن ينبغي ألا نحمّل ما جرى أكثر مما يجب، خاصة إذا حدثت تسوية قريبة بين موسكو والغرب. ولندقق جيدا في مسألة ما قيل عن بوادر توتر في العلاقة بين تل أبيب وموسكو، على خلفية الكشف عن الدعم العسكري الصهيوني لجورجيا، وهو في الحقيقة ما كشفت عنه صحافة العدو قبل غيرها، مستهجنة موقف القادة الصهاينة تجاه حليف تاريخي (اي موسكو) الذين اعترفوا بخطئهم في هذه المسألة. وما يلفت الانتباه هنا أن موسكو لم تثر أزمة معلنة مع تل أبيب على خلفية هذه المعلومات، بل صبّت انتقاداتها على الموقف الأميركي الداعم لجورجيا. فالعلاقات الروسية مع العدو الاسرايلي أعمق من أن تتأثر بموقف كهذا. ولقد أعلنت موسكو أن الدعم العسكري لسورية لن يخلّ بموازين القوى في المنطقة، وهي عبارة تعني إسرائيل وتقصد إلى عدم استثارتها أو إغضابها، كما أكد الكرملين أنه ليس ثمة اعداء لروسيا في الشرق الأوسط ليصار إلى نصب صواريخ ضدهم هناك.
أما أن يوصف الموقف السوري بالجرأة والمبادرة، فقد يسوّغه منطق من يرى أن السياسة لا تعرف المستحيل، وربما تراهن دمشق في تحركها الأخير تجاه موسكو في مواجهة واشنطن وجورجيا على أن أزمة القوقاز قد تترك تداعيات على منطقة الشرق الأوسط، ولذا كانت "الاستباقية السورية" إذا صحّ التحليل.
السؤال المهم هنا: هل تلعب روسيا "لعبة حذرة" تقصد منها ألا يتجاهل الغرب مصالحها الحيوية، أم أن ما حدث في جورجيا بداية لمرحلة جديدة في العلاقات الروسية ـ الأطلسية والروسية الاسرائيلية، وستترك آثارها الاستراتيجية في منطقتنا؟؟؟؟؟